مواطن عربي الحلقة الاولى – بقلم الأديبة أنعام القرشي

(( أنا ))

بالأمس القريب، كتبتُ مقالاً أتحدث فيه عن بعض تجاربي الشخصية مع عددٍ من الأصدقاء. طبعاً بدون ذكر أسماء. كان يجب على الرقابة الذاتية أن تعمل بكفاءة.
خلاصة الموضوع، أن التوتر المستمر هو لعنة الإنسان العربي، التي تطارده في كل مكانٍ وزمان.. وترسم مسار حياته منذ أول لقطةٍ في الصغر، وحتى آخر مشهدٍ من مشاهد العمر.
فكيف لنا أن نهرب من شيءٍ يطاردنا من الداخل؟!
إن ذلك قد يتحول – مع شديد الأسف والأسى – إلى ما يسمّى: “فوبيا الأنا” أو “الأنا فوبيا”.
المستعرب الياباني “نوبواكي نوتوهارا” في كتابه “العرب.. وجهة نظر يابانية” -ومن خلال اطلاعه المباشر، وتجربته العملية- يؤكد على هذه الحقيقة المرّة. علماً بأن تناول أصناف ٍعديدةٍ من الحلوى، في مثل هذه الحالة، ليس هو الحل. بل الحل هو :
المزيج المتجانس من العمل والأمل…
قالت لي إحدى الكاتبات “داخل” المقال:
أريد أن أبتعد عن الأرض، فهل لديك وسيلة مضمونة ومأمونة لتحقيق هذه الغاية المستحيلة؟
لم أقل لها هازئاً بأنني لا أعمل في وكالة الفضاء “ناسا”. بل لقد أجبت عن سؤالها بجملةٍ من الأسئلة:
ما الذي يدفعكِ إلى مثل هذه الفكرة الجنونية؟
هل تريدين الهرب من تجربةٍ عاطفيةٍ فاشلة؟
أم من تأثير الطاقة السلبية المتفشية من حولك؟
أم من كثرة الكتاب، وقلّة القراء، في كلّ من الواقعين: الفعلي والافتراضي؟؟
أم من غلاء الأسعار وجشع التجار ؟؟
أم من الإشاعات المغرضة ، والادعاءات الكاذبة؟؟
أم من ميول الأصدقاء، وفضول الزملاء؟؟
أم من اغتيال الشخصية؟
أم من أزمات السير الخانقة؟
أم من المحيط العربي الملتهب؟
أم أنك تريدين الهرب من كل ما ذكر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وقبل أن أدفع بمقالتي في صباح اليوم التالي، إلى صحيفةٍ بعينها، من أجل النشر، جاءني رئيس تحرير إحدى الصحف المجهولة في المنام، وقال لي وهو يمسك بالمقال، وبالحرف الواحد:
هذا سخيف.
يا إلهي، لقد سمعت هذه الكلمة كثيراً من قبل..!!
أذكر أن أول مرّة طرقت بها مسامعي كانت في مرحلة الدراسة الابتدائية.
كنت حينها أفكر في صناعة طائرة مروحية فوق سطح البيت.. حتى وصلتُ -أقصد: حتى أوصلني من حولي- إلى قناعةٍ شبه تامة، بأن الطائرة المروحية تعني شيئاً سخيفاً.
ما أغرب وأصعب أن يحتاج المدخّن إلى طائرةٍ حتى يقلع بها عن التدخين!!
لا أدري، هل كنت حينها أجيب عن سؤال تلك المرأة بشكل عملي، وقبل أن تطرحه علي بعشرين سنة على الأقل؟!
أقصد: هل كانت تلك إجابة متقدمة في رأسي، عن سؤالٍ متأخرٍ في رأسها؟؟
المهم، لقد سألت نفسي حينها ببراءة: هل يمكن للشيء السخيف أن يطير؟!
وقد اكتشفت أنه بالفعل يمكن أن يطير بأجنحةٍ وهمية.
ولكن .. ما هي المشكلة في ذلك؟!
بصراحة،، نحن هنا، في مجتمعنا، نطفو على سطح بحرٍ من الكلام..
أما في الجهة الأخرى من العالم، فإن ترجمة الأفكار العظيمة، تبدأ من أطراف الأصابع.
فهل يجب أن تنبت الأصابع العربية في كفٍ أجنبية، حتى تمسك بشيءٍ يستحق الذكر؟!
مع ذلك، ورغم كل العقبات، فإنني لم أيأس.. بل لقد ذهبت لكي أحتسي الشاي بالنعناع مع خالي سميح.
أنتم لا تعرفون من هو سميح.
أنه أكثر من خالي، ولكنه أصغر من خيالي..!!
يمكنكم القول، أن هذا هو أفضل الموجود.. وأن أحسن ما فيه، هو أنه متوفرٌ باستمرار.
بعكس الهاتف الجوال لخطيب صديقتي، الذي يعمل سكرتير لمدير شؤون التبرير، في مؤسسة رفع العتب.
تعالوا نعترف بعد أن نكتشف، بأننا “هنا” – في عالمنا العربي- عادةً ما نغرق في الأسماء..
أما الأفكار، فهي لا تعنينا في شيء.
لأن “الأنا” بالنسبة لنا، هي كل شيء.
يقول “غارث بروكس” :
“أعظم الصراعات، ليست بين شخصين، بل بين شخصٍ ونفسه”
وعلى كل حال، فخالي سميح لم يكن هو الحل. غير أنه يشبه مسكّن الآلام؛ الذي أتعاطاه عند اللزوم.
لقد كنت أشعر بألمٍ شديد في رأسي، أعني: عقلي.
وكان ذلك بسبب الأفكار التي يظن البعض بأنها سخيفة، والتي تتوارد إلى ذهني تباعاً، وبلا توقف.. بخلاف حركة باصات النقل العام في مدن العالم الثالث.
شعرت للوهلة الأولى، بأني مجرد نفسٍ معذبةٍ، محشورةٍ في جسدٍ محبوسٍ داخل قميصٍ سماوي، وبنطال أسود.
رفعت يدي وكأني أريد أن أعطي إشارة البدء بتغيير العالم نحو الأفضل.. غير أن كل ما فعلته هو أني طرقتُ الباب بهدوء.
قال الخال: من بالباب؟
فأجبته على الفور : أنا..
ومنذ تلك اللحظة، أصبح هذا هو عنوان المقال، الذي ما إن كَتَبَتْهُ رياحُ الذكريات الشرقية بيدي، حتى نّشَرَتْهُ زوابع العالم الافتراضي الالكترونية .

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

لو انك جارُنا … انعام القرشي

اشتقت لك جارنا، هذا المطر والبرد، حال دون ان اراك منذ مدة طويلة، لذلك احب أن تطمئن 😂 لقد عدت...! اهم بالمغادرة لشراء بعض الأشياء، لكنني اشعر بالدفء ولا رغبة لي بترك المكان او

%d bloggers like this: