حوار مع أعرابي أضاع فرسه / نزار قباني

لوكانت تسمعني الصحراء
لطلبت اليها أن تتوقف
عن تفريخ ملايين الشعراء
وتحرر هذا الشعب الطيب
من سيف الكلمات
مازلنا منذ القرن السابع
نمضغ ألياف الكلمات
نتزحلق في قشر الراءات
نتدحرج من أعلى الهاءات
وننام على هجو جرير
ونفيق على حزن الخنساء
يابلدي كيف تموت الخيل
ولا يبقى إلا الشعراء
مازلنا منذ القرن السابع
خارج خارطة الأشياء
نترقب عنترة العبسي
يجيء على فرس بيضاء
ليفرج عنا كربتنا
ويرد طوابير الأعداء
مازلنا نقضم كالفئران
مواعظ سادتنا الفقهاء
نقرأ معروف الاسكافي
ونقرأ أخبار الندماء
ونكات جحا
ورجوع الشيخ
وقصة داحس والغبراء
يابلدي الطيب يابلدي
الكلمة كانت عصفوراً
وجعلنا منها سوق بغاء
لو كانت نجد تسمعني
والربع الخالي يسمعني
لختمت أنا بالشمع الأحمر
سوق عكاظ
وشنقت جميع النجارين
وكل بياطرة الألفاظ
مازلنا منذ ولادتنا
تسحقنا عجلات الألفاظ
لو أعطى السلطة في وطني
لقلعت نهار الجمعة
أسنان الخطباء
وقطعت اصابع من صبغوا
بالكلمةاحذية الخلفاء
وجلدت جميع المنتفعين بدينار
أو صحن حساء
وجلدت الهمزة في لغتي
وجلدت الياء
وذبحت السين وسوف
وتاء التأنيث البلهاء
والزخرف والخط
الكوفي
وكل الاعيب البلغاء
وكنست غبار فصاحتنا
وجميع قصائدنا العصماء
يابلدي كيف يموت الخيل
ولا يبقى إلا الشعراء
لو أعطى السلطة في وطني
أعدمت جميع المنبطحين
على أبواب مقاهينا
وقصصت لسان مغننينا
وفقأت عيون القمر الضاحك
من أحزان ليالينا
وكسرت زجاجته الخضراء
وأرحتك ياليل بلادي
من هذا الوحش الآكل
من لحم البسطاء
يابلدي الطيب يابلدي
لو تنشف آبار البترول
ويبقى الماء
لو يخصى كل المنحرفين
وكل سماسرة الأثداء
لو تلغى اجهزة التكييف
من الغرف الحمراء
لو أعطى السلطة في وطني
جردت قياصرة الصحراء
من الأثواب الحضارية
ونزعت جميع خواتمهم
ومحوت طلاء اظافرهم
وسحقت الأحذية اللماعة
والساعات الذهبية
وأعدت حليب النوق لهم
وأعدت سروج الخيل لهم
وأعدت لهم حتى الأسماء العربية
لو يكتب في يافا الليمون
لأرسل آلاف القبلات
لوأن بحيرة طبريا تعطينا
بعض رسائلها
لاحترق القارىء والصفحات
لو أن القدس لها شفة
لاختنقت في فمها الصلوات
لو أن وماتجدي لو أن
ونحن نسافر في المأساة
ونمد للأرض المحتلة
حبلاً شعري الكلمات
ونمد ليافا منديلاً
طرز بالدمع وبالدعوات
يابلدي الطيب يابلدي
قتلتك سكاكين الكلمات

 
 

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

قراءة لقصيدة الحج لغزة للشاعر ماجد النصيرات – زكية خيرهم

لحج لغزة هذا العام يكفيكَ نصراً إذْ وقفتَ شُجاعا و ركبتَ موتاً للحياةِ شِراعا يكفيكَ نصراً في السمُوِّ مهابةً و بكَ الرجالُ سيقتدونَ تباعا

One comment

  1. من فضلكم ، شرح قصيدة حوار مع أعرابي أضاع فرسه

%d bloggers like this: