الأنثى الرمز في شعر حسن بن منصور / د. فطنة بن ضالي

بقلم :د. فطنة بن ضالي

ينسج الشاعر حسن بن منصور عالمه الشعري ، من رؤية لواقع محكومة بالتجارب والتراكمات والتي خلقت رؤاه الإبداعية، وعالمه الجمالي ، ذلك العالم الذي تُحقق فيه الذات المبدعة وجودها وتمارس فيه الإبداع بحرية مسرجة جُماح الخيال والصور التعبيرية الجمالية المتمثلة في الإمكانات التي تتيحها اللغة في التعبير عن إحساس ومعاناة الذات الشاعرة . و تخول استخدام اللغة وألفاظها استخداما رمزيا، يقول صاحب  العربي المعاصر ” فالرمز الشعري مرتبط كل الارتباط بالتجربة الشعورية التي يعانيها الشاعر والتي تمنح الأشياء مغزى خاصا” ص 198. تسكن الأنثى الرمز شعر الشاعر حسن بنمنصور  ،  يقول  على لسانها :

هذي أنا أسكن شعرك

على صفحة الإهداء

وهذي أنا أسكن قلبك عند الإنتهاء.

 فهي الملهمة قد تتوحد والقصيدة وقد تجدد معها  القصيدة على اعتبار الأنثى ترمز إلى الأم والأرض والغيث والخصب والعطاء ، والولادة.

يقول : قصيدة طفلة أنت.

غيث بك يتصابا

يا  “أم الغيث”

جودي على البحر

يبكي ويذرف دمعا

على قدميك

بلا حصر

يا ذات القلب البلوري

أنظري كيف سقاك الزمان

بكأس غرامه

وقد أتاك الموج

يردد أغنيات عشقه

بالجهر .

ويقول في قصيدة لوعة

اسمك غيث

والغيث مطر

فاهطلي كما شئت

يرتوي النبت والشجر.

 (… )

يبارك الرب غيثك

وأصحو مبللا بالمطر .

(ديوان قبلة بلا شفة، ص17- 43)

ويقول :

آه سيدتي

كيف يحييني هواك

بعد موات

وقد سقاني غيثك

بفيض السحب …

كم من قصيدة تشهد

على ميلادي ثانية

وكم من موطن

سكنته خارج كل الأزمان

على صفحات الكتب .

( ديوان هديتي لك سيدتي ص79).

فهي “أم الغيث ” الأم الحنون التي تفوق البحر في العطاء والجود والسخاء والقوة واحتواء حالات الأبناء في صخبهم وسكينتهم عبّر الشاعر عن ذلك بالأمواج في مدها وجزرها، كذاك الأم يُلتجئ إليها للإحساس بالأمان .  وهي القصيدة التي تفيض معانيها، وتمكن الشاعر من العيش حياةَ عالم الإبداع المتجدد عالما رمزيا جماليا يحلق فيه الشاعر فيخلده التاريخ ” على صفحات الكتب”. هكذا تُشحن الصورة باستحضار أبعاد الرموز المستعملة لتعميق المعنى الذي يقصد إليه الشاعر.

يقول :

لو كان قدري بيدي

لاخترت أن أحلق

مع الفراشات في سماك

***

أنا العاشق بلا قدر يحكمني

فإن كنت قدري فلا تدعي  

 في دنياي إلاك.

وفي قصيدة أخرى :

لو كان قدري بيدي

لما فرغت منك نفسي

(…)

لأن الشاعر مغلوب

 على أمره

فمن غلبه

 أن ينعم بالألم .( ديوان هديتي لك سيتي  ص7 وص 68).

 هنا تتعالق الأنثى الرمز والقصيد المشتهاة المتجددة الشاهدة على الميلاد والاستمرار، إنه عشق البوح والقصيد رديفُ المعاناة والألم ، وربما ألم الإبداع والولادة فهو قدر كل شاعر يعتبره سمو إحساس ولحظة تجل وصفاء يشتهيها فتصبح اللحظة الحاسمة بين عمره قبل القصيد وعمره بعدها.

ويفلسف الفكرة الرابطة بين الأنثى والقصيد التي تصبح سيدة تجمل حياته بعد المعاناة التي يقاسيها كل شاعر إبان إبداعها وقد تكون لهذه اللحظة طقوس خاصة ، معتبرا القصيدة روحا في جسدها تتجدد الحياة والولادة.

يقول :

عفوك سيدتي

قبلك لم أكن سوى

كومة لحم تسكن هيكليا

***

وألبستني من حلل الجمال

ما فوق الجمال

وسموت بقلبي

يا سيدة الجميلات

سمو روحيا

وأعدت لدقات القلب

نبضا

ولدفء اللحظات حظا

يا ربيعي يا أملي

يا بستانيا .

***

أنت سيدتي

 قمر ساطع

في سمائيا

أنت نور يذكي

فصاحتي

لأُنطق بين يديك

قلبا

سيظل لنبضك

وفيا .

بوح شجي يعزف على أوتار الإحساس يغازل القصيدة في شتى حالاته حيث  يصف الشاعر معاناته معها تسكنه تحاوره ، تحبه تعتب عليه  مصورا كل ذلك بصور أدبية رائعة تليق بمقام الأنثى / الرمز؛ فهي مرة أم الغيث( الأم) ، ومرة هي الغيث نفسه عنوان الخصب والربيع ، وأخرى  هي الحبيبة القريبة البعيدة ، كل ذلك في صور  إيقاعية  تحقق المتعة للسامع والقارئ معا حيث تتكئ القصيدة على العموم عند الشاعر   حسن بنمنصور على الإيقاع الداخلي القوي المتمثل  في التوازي على مستوى الصور و الألفاظ والتراكيب والجمل الشعرية زيادة على التكرار مما يكسب قصائده موسيقى داخلية مطربة ، مع عمق المعنى في انسجام تام .   

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

قراءة لقصيدة الحج لغزة للشاعر ماجد النصيرات – زكية خيرهم

لحج لغزة هذا العام يكفيكَ نصراً إذْ وقفتَ شُجاعا و ركبتَ موتاً للحياةِ شِراعا يكفيكَ نصراً في السمُوِّ مهابةً و بكَ الرجالُ سيقتدونَ تباعا

%d bloggers like this: