تلكُمُ سامرّاء / كوكب البدري

لونٌ بالأسود يندب الحاضر
ولونٌ أبيضَ ينتظرُ الماضي
وبين هذين اللونين، ينشطرُ العمرُ إلى ألف سؤال، فأتساءل:
– هل شاخت النّجومُ؛ فشاخت معها أضواؤها؟
أم فرّت الغيوم؛ آخذةً معها كل ضحكةٍ ذهبيةٍ لسنابل النّهر؟
هل ملّ البحتريُّ قصورَها ؟ ولماذا المتوكل لا يجرؤ الصّلاة في أيّ مسجد بناه؟
لماذا العصافيرُ تعششُ صامتةً في أحزان الجدران؟ ولماذا تلبسُ رداء الشّوك بلونيهِ :
لون أسود يحاول رسم الكبرياء
ولون أبيض يخشى ذاكرة الأجيال

إيه سامرّاء
مازالت عينا التّاريخ ترقبها
وهواء الحقل يتبعها
تتبعها الرّبابةُ
ودبكةُ الانتظارِ
تتبعها أطياف النّوافذ المغلقة على حكايات الجسر المنسيّ، والخالد في وجدان القصب…
يتبعها خجلٌ عُذريٌّ في مكحلةٍ شهيدةٍ، أو في قلادةٍ شريدة…
يتبعها التّاريخ بلونين:
لون أسودَ بمذاقِ الهزيمة
ولون أبيض مستوحش شوقا للياسمين

إيه سامرّاء
وأنا في بغداد؛ مازالت (محبوبة) تطرقُ أبواب منامي، فتسألني عن قصر البركة الحسناء،
عن قصر الجوسق، وقصر الحير.
عن أسرار العشب في ربيع سرّ من رأى
عن رسائل الحبّ في ثنايا الأنهار
عن (الجاري)
عن تلّ العليق
عن دير العذارى
عن وعن و عن
و لا تدري أنّ كلّ ألوان الحب قد فرّت من عَينَيِّ مدينتنا ، إلا ألوان الجرح الغائر في خاصرة الشّعراء و الفقراء،
وإلا :
لون أبيض كأقواس النّار
ولون أسود هو قوس ختام.

………
(محبوبة): شاعرة المتوكل، انتقلت إلى بغداد بعد مقتله، واعتزلت الحياة فانقطعت أخبارها.

 

About سفانة بنت ابن الشاطئ

Check Also

جَحَافِلُ النَّزْوَةِ – الشاعرة خديجة بن عادل

عَلَى أَعْتَابِ ذَاكِرَتِي وَفِي سَبْرَاتِ الشِّتَاءِ لَبِسْتُ عَبَاءَةَ الوَجْدِ وَتَرَاتِيلَ مِنْ قَافِيَتِي انْتَظَرْتُ دِفْءَ شَمْعَةٍ

%d bloggers like this: