(الحلقة السادسة) الفراغ العاطفي – بقلم انعام القرشي

أحب أن أنظر إلى التفّاحة، أكثر مما أحب أن أقضمها.
ترى، كيف لنا أن نحب سبب خروجنا من الجنة، إلى منطقة الشرق الأوسط؟!
تمرّ امرأة جميلة من أمامي، فتقطف صمتي من عينيّ.. وتخطف من فمي كلامي..
فماذا أفعل بلا صمت.. وماذا أقول بلا كلام؟!
إنها هي، أجل هي، وبكل ما وهبها الله من فتنة وحضور..
لطالما سألت نفسي بجرأة:
هل يحق لمواطن عربي مثلي أن يحب.. وهل لديه متسع من الوقت لهذا الترف؟؟
ربما يقول قائل: الحب ضرورة، كالهواء، والماء، والخبز، والهاتف، والكهرباء.
أما “فيكتور هوجو” فيقول: “الحب هو أجمل سوء تقدير بين الرجل والمرأة”
من يصدق أنني استدعيت امرأة، من ذاكرتي، في وقت الفراغ، لعلني أحبها بأثر رجعي؟!
الحب بحر عميق.. والقلب مركب صغير.. غير أن هذه ليست هي الإجابة الشافية.
ما زلت أذكر ذلك اليوم الذي اعترفت فيه تلك المرأة الفاتنة، أمام عدد من الأصدقاء، بالتصحّر العاطفي، وهو يزحف نحوها ببطء، كي يحاصرها، مثل العديد من المدن العربية، من الداخل!!
لقد كانت تضحك وهي تقول:
لا أريد أن أبكي على كتف أحد.. هنالك من يحسدني، حتى على الكحل الذي في عيني!!
قد تنقذني الأشعار الحالمة من هذه الأفكار السوداء، ولكن الواقع المرير، يقف بإنتظاري مثل رجل الأمن وراء الباب.
ثم صمتت، فتقدم الزمن سريعاً، حتى وصل بنا إلى هنا.
وها قد التقينا أخيراً، في هذا الممر الطويل، فأشاحت بوجهها عني، مثلما تفعل أمريكا مع العرب من أجل ربيبتها “اسرائيل”.
كان يجب أن تقف، كما كنت أتمنى، حتى أسلّم عليها، وأهمس في إحدى أذنيها، قائلاً:
يبدو أنكِ ما زلت خالية.. لكن العالم بلا حب، كالإنسان بلا قلب.
لقد مرّت بجانبي بخطى سريعة، قبل أن تتوقف فجأة، وتعود إلى حيث كنت أقف بإنتظارها على أطراف أصابعي.
تساءلت بدهشة: أنت؟!
فأجبت مبتسماً: تخيلي!!
ثم دعتني لنتناول كأسين من عصير الأماني في مطعم صغير، يطل على وسط البلد.
سرت إلى جانبها، وكأني أسير بجانب الحياة التي استحالت في لحظة إلى امرأة تتفتق أنوثة، وتفيض حلاوة..
لقد أنعم الله عليّ بقدرة فائقة على الإصغاء، فسمعت قلبها وهو يغني، ولكن، ليس لي، بل ربما انها شعرت بالانتشاء، حين اختلط النسيم العليل، بأنفاسها الدافئة، في شرفة السهر.
قلت لها بعيني: كم أنت بارعة في لعبة التجاهل!!
فأجابت كما هو متوقع من امرأة مثلها أن تفعل:
– تعال نتكلم بصراحة. الرجل الشرقي، يريد أن يمتلك كل ما تقع على عينيه من نساء.
– فماذا عن المرأة الشرقية، ألا تبحث عن ذلك الرجل الأسطوري القادم من حكايات الجدّات؟
– ما أعرفه أن كل ما تحلم به هذه المرأة، هو رجل يحبها بصدق، ويسمح لها بأن تحبه بجنون.. على أن لا ينسى الهديّة التي تليق بها، في نهاية كل حكاية.
وفي هذه الأثناء، مرت طائرة في السماء. من المحتمل أن المضيفة الحسناء، تميل بدلال على الطيار الوسيم، كي تقدّم له مشروبه المفضّل. كم هو جميل الحب على ارتفاع شاهق.
بعد أن تلاشى صوت الطائرة في أرجاء الفضاء، وفرّت صورة العاشقين الطائرين من قفص رأسي، عدت لأقول:
– المرأة ليست كاذبة، لكنها قد تخلط في قلبها الجوّال، مخرجات الواقع، مع مدخلات الخيال..
– ألست معي، بأن الحب هو الحب، في كل الأحوال؟
– أجل، ولهذا عليكِ أن تكوني أكثر ليونة ومرونة معه.. حتى الدول الكبرى، يا سيدتي، يمكن أن تقدّم بعض التنازلات في بعض الأحيان.
– صحيح، ولكن النساء أكثر دهاء من السياسيين.
– العاشق لا ينظر إلى ما في داخل الحقيبة، بل إلى ما في قلب الحبيبة.
– صدقت. أرى أنك تعمل بشكل أفضل مع هذه الجرعات من العصير الطبيعي، الذي سوف تصرّ بعد قليل، على أن تدفع ثمنه، لأنك الرجل.
– منذ رأيتكِ في المرّة الأولى، أحببت فيكِ هذه الجرأة المغلفة بالحرير.
– ذكّرني قبل أن نغادر هذا المكان، بأن أقبل منك هذه الوردة الخمرية، التي تتوسط الطاولة، كهدية رمزية.
– أشعر أنكِ ما زلت تعتقدين، بأن الرجل الذي يستحقك، ليس موجوداً في هذا العالم.
– أكلّمك عن الورود، فتكلّمني عن الرجال!!
– الرجل هو الذي قد يأتيك بالوردة.
– والوردة أيضاً، يمكن أن تأتيني بالرجل.
– أنتِ على حق، ولكني أحذّرك بشدّة!!
– ؟؟!!
– إذا أستمر تأثيركِ الساحر على هذا النحو، فعلى الأرجح أني سأكون أحد ضحايا الفرق بين رؤيتين متعاكستين، تفصل بينهما مائدة مستديرة.
– ماذا تعني بذلك؟
– أعني وباختصار مزلزل: أنني أوشك على أن أكون أحد العاشقين العالقين بين أصابع الهوى المشتعلة.
– لم أكن أعرف بأنك شجاع إلى هذا الحد.
– إنها ليست شجاعة، بل إحساس لا يتكرّر.
– لكني أشفق عليكَ مني.
– يا رب.. إنها تحاصرني الآن، بما كانت تفتقد إليه من قبل!!
– سوف أحاول أن أرفع عنك هذا الحصار، فهل تعدني بأن تساعدني في العثور على ضالتي المفقودة؟
– لن أقول بأن هذه طعنة في الصدر. لكنها بالتأكيد، ليست شكلاً من أشكال العناق تحت الشمس.
– قل حباً أو فاصمت.
– صمتي مشحون مثل صوتي، بالشوق إلى ما سيكون..!!
– من حقّ كل امرأة مثلي أن تبحث عن الحب، حتى لو كان ذلك في زمن الحرب.
– لو كنتِ عاشقة، لما احتجت إلى ما هو أكثر من هذا.
– إذن، هل تنصحني بأن أتوقف عن البحث عن ذلك الشخص المثالي، الذي يحوم طيفه في فضاء خيالي؟
– كل ما أستطيع قوله، هو أني لست مراهقاً أو شقياً حتى أطمع بأن أخطف من شفتيك القرمزيتين، قبلة عابرة.. ولا أنا شاعر منفيّ خارج بلاده، حتى أبحث في عينيك الزرقاوين، عن وطن..!!
– فماذا إذن؟!
– أدعوكِ للذهاب إلى السينما. إنه فيلم كوميدي. سوف يساعدك الضحك على عدم رفض العرض الذي يمكن أن أقدمه لك في لحظة جنون. ربما أسألك فجأة، مثل الرجال الأبطال في العتمة: هل تقبلين بي زوجاً؟ ثم نركض معاً كالأولاد الصغار تحت المطر..
لم أكن أعلم بأنها قد تزوجت من رجلٍ لا تحبه، وأنجبت عدداً من الأطفال، ينطلقون في صبيحة كل يوم فرحين، وهي تلوح لهم بيدها، من حجرة الذاكرة إلى حديقة الخيال..
قالت لي، وعطرها النفاذ يغويني، وصوتها العذب يذوب في دمي، ويجري في شراييني:
– إنك تلهث خلف شعورك المتدفق بسرعة.. ونحن الآن في منتصف الصيف!!
– العاشق والشاعر، كلاهما يمكن أن يهطل المطر فوق رأسه في غير موسم الشتاء.
– أنت تدعوني إذن، بأن أجرّب الحب عن قرب؟
– أجل، وأدعوك أيضاً، إلى أن أكون أنا الهدف المتحرك. أريدك أن تحبيني قليلاً، حتى لو كان ذلك أشبه بإطلاق النار على الرأس من مسافة قريبة.. ثم نرى ماذا يمكن أن يحدث فيما بعد.. فقد أظل حياً، فنعيش معاً، تحت سقف واحد، أزرق، ومرتفع جداً، هو السماء.
– ولكني لا أعرف أين يوجد ذلك الزر العجيب الذي سأضغط عليه فأقع في حبك على الفور!!
– حبي ليس فخاً، وأنتِ لست عصفورة، والزرّ الذي تسألينني عنه، موجود عند أطراف أصابعك الرقيقة. كل ما عليك فعله، هو أن لا تتوقفي عن العزف على أوتار شعوري..
– ماذا تعني بذلك؟
– هنالك ستارٌ غير مرئيّ يفصل بيننا، وحبل هذا الستار موجود عندك في الداخل، وليس عندي في الخارج.
– أخشى أن أزيح الستار، فأكتشف بأني أقف أمام رجل آخر.
– إذن، فدعينا نتبادل الأماكن، حتى يكون لوجودنا معاً، معنى آخر.
– الآن فقط عرفت، بأنك كنت تبحث عن قصة حب حتى تكتبها للآخرين، على شكل مسرحيّة عاطفية.
– لكني لست رجلاً مخادعاً.
– أعلم ذلك؛ أنا المرأة التي ما إن تذكرتها حتى جاءت مسرعة، من وراء ستار الغيب، بدافع قوي من فضولها.. فأرجوك، وقبل أن أعود إلى حيث كنت، على الأقل، دعني أذرف قليلاً من الدموع، حزناً على ما فاتني من غرام، في نهاية هذا النوع الغريب الغريب من الكلام………………!!

” مواطن عربي “

المزيد 
الذهاب لصفحة الاردن
الذهاب الى صفجة بلاد الشام

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

لو انك جارُنا … انعام القرشي

اشتقت لك جارنا، هذا المطر والبرد، حال دون ان اراك منذ مدة طويلة، لذلك احب أن تطمئن 😂 لقد عدت...! اهم بالمغادرة لشراء بعض الأشياء، لكنني اشعر بالدفء ولا رغبة لي بترك المكان او

%d bloggers like this: