أنَا و القَمَرْ شعر: م. فوَّاز غالب عابدون

رَكِبَ الصِّعابَ وجازَها وتَغلَّبا
وعَـلا بسَمْكِ سَـمائِهِ وتقلَّبـا

وبدا كما البَدْرُ المُنيرُ بظلْمَةٍ
جَلَّى بطلْعَتِهِ الفضاءَ الأرْحَبا

إنِّي افْتَقَدْتُ على الطريق قصِيْدَتي
ووجَدْتُهــا بَيْـنَ النُجــوم لِتُكْتَبـــا

فكأنَّما مِرْآةُ نفسي في السَّما
وكأنَّني قَدْ حِزْتُ فيه المَأْرَبا

مرَّتْ ليالٍ كُنْتُ قَدْ ساهَرْتُها
والبدْرُ كانَ لِيَ البعيد الأقْرَبا

فسـألْتُهُ والنَّجْـمُ في عَلْيائِـــهِ
مَنْ قَدْ أضاءَ لَكَ الهِلالَ وأنْجَبَا ؟

فأجابَني … إنِّي وَليْدُ دُجُنَّةٍ
ووُلِدْتُ وضَّاءً أشُقُّ الغَيْهَبا

حمَلَتْ بِيَ الظَّلْماءُ في رَحِمِ الدُّجى
أُمِّي هِيَ واللَّيْلُ كانَ لِيَ الأبا

ووجَدْتُ مِنْ حَوْلِي السَّماءَ بِظُلْمَةٍ
فأضأتُهـــا وجَعَلْتُهـــا لِيْ مَلْعَبــــا
وتقلَّبَتْ فِيَّ اللَّيالي … تارَةً
أبْدُوهِلالاً تائِهًــا مُتَحَدِّبـا

أوْ تـارَةً أبْـدُو كبَـدْرٍ نَيِّـرٍ
قدْ صارَ في ثَبَجِ السَّماءِ المَطْلَبا

حتَّى إذا ما حانَ آخِرُ عَهْدِنا
كنتُ السِّـرارَمُوَدِّعًا مُتَرَقِّبــا

ولَكَمْ تُحاصِرُني الغُيومُ تَلُفُّني
وتَلُفُّ هَالَةَ مَطْلَعي كَيْ أُحْجَبا

فأُمَزِّقُ الغَيْـمَ الَّذي غالَبْتُـهُ
وأُطِلُّ مِنْ خَلْفِ السَّحابِ مُنَقَّبا

قالَ السَّميرُ وكَمْ أنِسْتُ لِقَوْلِهِ
وتَكَلَّمَ البَدْرُ المُنيرُ وأسْـهَبا

عِشْتُ الحياةَ مُنَوِّرًا في ظُلْمَةٍ
أجْلو السَّماءَ مُشَرِّقاً ومُغَرِّبا

وأطَلْتُ مِنْ سَمْعي حِيالَ كلامِهِ
وكَتَبْتُ ما أمْلى عَليَّ وغَيَّبـا

ما ضرَّني أنَّ الظَّلامَ يَلُفُّني
ما عِشْتُ لَنْ أخْشَى الظَّلامَ وأرْهَبا

كَمْ دُونَ هَالةِ بَدْرِهِ مِنْ رِحْلَةٍ
أضْنَتْ لَياليْهِ وأَعْيَتْ مَنْكِبا

أنا ما شَكَوْتُ عَناءَ دَرْبي إنَّما
بَـدْرٌ يُسامِرُني وشَـدْوٌ أطْرَبا

وحديثُ مِرْآتي وبَوْحٌ صادِقٌ
وَشَّـى ليالِينـا فطابَ وطَيَّبــا

إنِّي رَضيْتُ مِنَ الحياةِ صِعابَها
ورَضيْتُ مِنْها ذا الطَّريقَ الأصْعَبا

فنَشَرْتُ أشْرِعَتي بوَجْهِ رِياحِها
وأبَيْـتُ أنْ أخْشــاهُ أوْ أتَنَقَّبــــا

تَجْري على اليّمِّ المُحيطِ مَراكِبي
تَعْلُــو وتَهْبِطُ لا تَخافُ المَرْكَبــا

إنِّي صَبَرْتُ على جِراحاتي الَّتي
ضَمَّدْتُها وَرَضيتُ أنْ أتَعَذَّبا

ليْسَتْ بأوَّلِ غُرْبَةٍ عايَشْتُها
فَلَكَمْ طَوَى زَمَنُ الحَنينِ وأتْعَبَا

زَخَرَتْ بِنَفْسِي الأُمْنِياتُ وَلَمْ أكُنْ
مُتَـثـاقِـلاً يَوْمـاً ولا مُتَهَيِّـبَـــا

فكِبارُهُنَّ على المَناكِبِ حُمِّلَتْ
وصِغارُهُنَّ على الأكُفِّ تَحَبُّبَا

وبَذَرْتُ مِنْ عُمْري بُذورَ نَباتِها
وَسَـقَيْتُها مِنْ نُسْغِهِ كَيْ تُعْشِـبَا

وصَنَعْتُ مِنْ بَسَماتِ ثَغْري بَلْسَمًا
وسَكَبْتُ مِنْ زِقِّي الشَّرابَ الأطْيَبَا

هَـذِي الحَيـاةُ وَلَسْـتُ أوَّلَ ناكِـرٍ
لِوِدادِها بَلْ لَسْتُ أوَّلَ مَنْ أَبى

تَقْتَاتُ مِنْ أعْمارِنـا بِشَراهَـةٍ
وتَسُحُّ مِنْ ماءِ العُيونِ لِتَشْرَبا

لَسْتُ الَّذي يَرْجُو ويَطْلُبُ وُدَّها
فوِدادُها صَعْبٌ على مَنْ قَدْ صَبا

إنِّي لتُغْريني الرِّعانُ شَوامِخًا
وتَرُدُّني إنْ كُنْتُ أرْجو السَّبْسَبا

كَمْ سَلْسَلَتْ لِيْ مِنْ جَبينِي مَاءَها
فَـوَجَدْتُـهُ مـَـاءً ألَـذَّ وأعْذَبـَـا

عِشْتُ الحَياةَ بِحُلْوِها وبِمُرِّها
وبِنُورِ شَمْسٍ إنْ أضاءَ وإنْ خَبا

وَدَّعْتُهُ وتَرَكْتُ عِنْدَ سِـرارِهِ
فَجْراً يُطالِعُني وَصُبْحًا أقْرَبَا

About سفانة بنت ابن الشاطئ

Check Also

جَحَافِلُ النَّزْوَةِ – الشاعرة خديجة بن عادل

عَلَى أَعْتَابِ ذَاكِرَتِي وَفِي سَبْرَاتِ الشِّتَاءِ لَبِسْتُ عَبَاءَةَ الوَجْدِ وَتَرَاتِيلَ مِنْ قَافِيَتِي انْتَظَرْتُ دِفْءَ شَمْعَةٍ

%d bloggers like this: