قراءة نقدية بقلم :الناقد أشرف الخريبي لقصيدة كأس للحنين شعر: خلف الحديثي

 

 

 

 

فنري طاقة شعرية قادرة علي إزاحة مستويات التعبير إلي عمق دلالي رغم عمودية النص ووجوده في هذا القالب المعد سلف، ومع ذلك تعمل عناصره علي تشكيل مشهد شعري متعدد الجوانب، مُهتما برسم صور حية ونابضة للذات التي تبقي في مواجهة مُستمرة مع الفعل الإنساني الأجمل وهو الحب وعند هذا المستوي تحديدا، تصنع الشعرية موجات متتالية من الدفق الشعوري، مرتبطة بحضور الأخر دوما تخلق منه هامات ومساحات مضيئة عبر تشكيلها الشعري فيظل النص منذ عتبة العنوان يكشف طوال الوقت هذه الأعماق الدلالية ويقدم صورة شعرية بلغة مُتحررة رغم إيقاعها البطيء، وصوتها التقليدي، ففعل الشعر حين يكون عالما بمفردات الحضور الإنساني تتألق فى شغب وتلامس برهافة مشاعرنا تخط عليها عالمها الثرى بكون من العلامات والعلاقات التي تتحدد فيه مواقع الكلام في صورة تخيلية بين الإرسال والاستقبال

إقتباس:
إنّ الحنينَ إليك يسرقني هوىً

والكلُّ حولي ينظرونَ وأُبصرُكْ

ومع حضور الصورة بكل تجلياتها صور شعرية متلاحقة ومتلازمة من خلال انطلاق الشاعر في القصيدة وثراء مفرداته وعالمه، تبقي بنية الكلمة من القوة في ترتيبها وحركاتها وسكناتها داخل الجملة الشعرية وفى إجمال وجودها الفعلي فى النص فيكون الاستماع إلي مقطع موسيقي خلال هذه الضوضاء شيء لافت ومريح، خالقا صور في الذاكرة التي تجسد المشهد، تظل في تتابعها حاملة حصار من الأشواق والحنين إلي هذا الأصيل فينا، هكذا يحاول النص ، فعلي الرغم من تقليدية البناء يأتي هذا النص ، تعبيرا عن الموقف النفسي والجدة والانتماء للحظة الشعرية الثرية ، وهو يعمد فيها للكتابة بروح الرومانسية المُحلقة علي عمود الشعر شكلا ومضمونا لتأتي القصيدة وكأنها لوحات مُتعددة الألوان بمفردات متنوعة وعالما خاصا، بلغة مُثقلة قوية وألفاظ جزلة، يكتحل فيها الشوق بالجرح والخوف بالوله والوحدة بالأنين من بعيد إلي وله حيث تتساقط أوراق الليل حالة من حالات الفنان مُرهف المشاعر ، يعتريه الوجد والنشيج والوجع، رومانسية مُحلقة تشف عن قلب عطوف مليء بالغربة والغرام والحنين والهموم، أيضا في فضاءات صافية الملامح، وذات تحمل العديد من الهموم فيبقي الكلام تعبيرا مباشرا عن الإحساس، من المشاعر لشاعر عاشق مُتألم لأزمنة العشق الجميل والغربة الداخلية الحميمة،

إقتباس:

فأنا أحبُّكِ لا حدودَ تحدُّني

وأنا الجنونُ وفي الجنونِ أُبعثرُكْ

ويؤدي ذلك أيضا إلي تماسك البنية الدلالية للمفردات بصفة عامة ولعل استخدام الموسيقى المتميز في كثير من المقاطع مع رومانسية الصورة وشفافيتها وغموضها واعتمادها على التجسيد أحيانا ولكنها رغم ذلك لم تستطع الصورة بأنساقها المختلفة أن تنفذ إلي الدفقات الموسيقية لتبرز غنائية السطر الشعري بالعمق الذي أرد له الشاعر وكان يطمح اليه، وأبقت على محدودية الألفاظ معتمد على تفعيلة واحدة وكأنه في موقفه هذا يرصد الصوت الأخر أكثر من اهتمامه بالبناء الدلالي وبإبراز الفكرة على حساب الصورة الشعرية أحيانا، فمع تكرار القافية بألفاظ ثابتة غير متحررة تعتمد معظمها علي الرؤيا البصرية لنجد ما يقرب من عشرة ألفاظ تختص بها لفظة النظر وحدها (أنظرُكْ )

إقتباس:

أقبلْ إليّ فلا أراك ولا أرى

إلّاك في قصري يدورُ تّصَوُّرُكْ

ومع عالم النص الخاص وحركة نموه المتفرد تميزها عن كتابات شعرية أخري في هذا السياق من منطق بنائها وموقفه من العالم وكافة الأدوات الفنية التي تقوم بإبراز هذا الموقف كي يحمل النص بعد ذلك خصوصية الأداء الفني المميز وضروراته المقنعة للقارئ ليس كفكرة فقط وإنما كون من الدلالة في تشكيلها الشعري إلى وعى المتلقي كي تحدث أثرا هاما وتضيف أبعاد أعمق أثرا ويسهم بشكل كبير في البناء الفني الممتع للنص.
إن اجترار الذات مع النزوع إلى التركيز على الصور الشعرية حيث يسعى النص إلى تحقيق موقف موضوعي من العالم في مواجهة الذات

إقتباس:
والأرضُ متعبةٌ تلفّ بكفّها

وجعي وتفهم أنني سأُحرِّرُكْ

وفي إعادة ترتيب المفردات والجمل والصور والعالم أيضا التي تتألف في وحدة عضوية متماسكة ومتسقة مع دلالة الطرح تنسجم مع المفردات في عذوبتها وهمسها دون صخب كي يتسلل إلى نفوسنا وبحميمة وصدق. المليء بالانفعال العاطفي عبر صورة شعرية هادئة كهدوء الموسيقى ترصد صورة ثرية الدلالة متوهجة رغم أنها هادئة الإيقاع عذبة المفردات وتعتمد الصورة الشعرية هذا التشكيل المتفرد على مفردات المكان ومع ذلك نجد التيار الشعوري النفسي المستمر من أول النص لأخرها مع إعادة التدوير لإنتاج البراءة في مواجهة هذا العالم القاسي

إقتباس:
يا عتمةَ الضوءِ التي في داخلي

أنا ما أزالُ بعينِ ذاتي أنظرُكْ

أختارُ وقتي حين وقتكَ ينتهي

وأظلّ في بابِ الطفولةِ أنطرُكْ

ويبدو أن التحول المكاني الراسخ في وجدان وقلب الرؤيا بمعني النظر له طعم مميز متفرد لا يظهر فيه أثر للزمن فالتقاط الجمال ورؤيته والاستمتاع به هو الأهم ولم يعد ممكنا تصوير أو التقاط صور والاكتفاء بها بقدر ما أصبح من المهم التعامل مع الخطاب الفني في ضوء إمكانية التشكل والخلق الفني ومن هذه الحقيقة الموضوعية الراسخة مع هذا الدفء الإنساني الذي يحمله النص بمنحنيات ذات تتجرع الفقد وتفيض برومانسية الأداء وروعة التكثيف وإبهاره الماتع في خلق صورة فنية مغايرة ينسج ببراعة خيوط أنشودة الحب ثرية الإيقاع، ناعمة الملمس تتفجر فيها طاقة اللغة ووحشية الشوق لكنه الحب العابث بمشاعرنا فى انتظار المحبوبة كي تستيقظ فينا روح القبيلة وطعم الثريد ثانية،

إقتباس:
فالحب يا قلق الشعور أحسُّهُ

غيماً على جدب المسافة يُمطرُكْ

لقد استطاع الشاعر أن يحدد رؤيته وألحقها بالعالم الحسي الفعال علي نحو جعل لها حركة دائرية ، بنظرة أكثر شمولية لتأخذ المعادل الموضوعي لها علي مستوي القصيدة .إن القول بأن تجربة الشاعر تجربة عاطفية ينبغي ألا يوقعنا في الوهم القاتل بان الحب مجرد تماما من أشواق أخري, وحصارات أخري مع الأخر والذات وهذا يوضح مدلول أخر لمستوي رؤية الشاعر لعلاقة الحب بالزمن . يعمق الشاعر فيها مستوي رؤيته ليصبح أكثر وضوحا وعمقا تتجسد بكامل زواياه داخل النص. والشاعر يمارس لذة الانجذاب إلي الخوف في هذا السياق علي أن التدرج في التعبير من بنية إلي أخري رغم وضوح المعاني والدلالة وضع القارئ أمام تحول في الموقف النفسي، لكنه تحول تدريجي ومنطقي. يساعدنا علي الفهم مع إيحاء الكلمات والعبارات لتطوير المعني الشعري بتوسيع دائرة احتمالات المعاني وبث الوعي بما يمكن أن تشتمل عليه القيمة التعبيرية الخبيئة،

About سفانة بنت ابن الشاطئ

Check Also

قراءة لقصيدة الحج لغزة للشاعر ماجد النصيرات – زكية خيرهم

لحج لغزة هذا العام يكفيكَ نصراً إذْ وقفتَ شُجاعا و ركبتَ موتاً للحياةِ شِراعا يكفيكَ نصراً في السمُوِّ مهابةً و بكَ الرجالُ سيقتدونَ تباعا

%d bloggers like this: