نقطة تحول

ثبات الحياة والأشخاص أمر محال .. فكل فترة نرى تغير بالمعايير ولا أقول المبادىء وتغير بالعادات وطريقة الفكر .. تجدنا نقول لقد تغير ذلك الشخص علينا فنغضب وكأن تغيره أمر غريب ..جميعنا نتغير والتغير أنواع .. فلا ثبات في رؤيتنا .. هل أنت قبل عشر سنوات كنت تحمل نفس الفكر الذي تحمله الان ؟ هل طريقة تعاملك تجاه من يسيء لك قبل سنوات هي ذاتها ردة الفعل التي تتخذها الان ؟ أظن أن الانسان كل انسان لديه في حياته نقطة تحول ان لم تكن نقاط .. نقطة لا يعود بعدها كما كان عليه من قبل .. ربما هي مرحلة نضوج او فرصة اخيرة او مرحلة انكشاف الغشاء لنرى بوضوح كل ما يجري .

أظنك لا تخالفني أن مرحلة الشباب تحمل بين طياتها جملة من الطيش والتعصب والتسرع .. ما أن تمر هذه المرحلة على الانسان ذاته فيتأملها في مرحلة كبره لنراه يبتسم عليها فيقارنها بحكمته الان وتقبله للاخر وتجاوزه عن الكثير .. فيجد ان هناك فروق كبيرة بين المرحلتين .. لكن قلمي الان لن يتحدث عن هذا الاختلاف الواضح للعيان بين المراحل العمرية … هنا دعونا نناقش فكرة نقطة التحول التي تأتي وليدة موقف واحد .

كيف لموقف واحد يحدث لأحدنا فيجعلنا في المرحلة العمرية ذاتها لا نعود لما كنا عليه ابدا .. قد تسامح المرأة زوجها السيء الف مرة وقد تصبر عليه كثيرا .. لكن يحدث لموقف واحد يحصل لها ان نراها تغيرت كليا .. موقف واحد وقد نراه بسيطا لكنه لا يجعلها تعود لما كانت عليه .. فاما ان تطالبه بالانفصال الكلي .. اما ان تعامله ببرود تام .. واما ان تعامله كأنه غير موجود تماما .

أحدنا ربما كان عند غضبه يلتزم الصمت والجفاء ويختار البعد الكلي .. ننظر اليه الان وقد تغير كثيرا فلم يعد ينظر للأمور كالسابق .. أصبح يدرك جيدا ماهية القرب والبعد الحقيقية .. فربما تراني لا أفارقك وأتواجد بكل مكان تتواجد به لكنني رغم هذا القرب الذي تراه مني فاني لا اراك قريبا .. اشعر ان فجوة كبيرة حدثت بيننا لن يرممها القرب ولن يحلها البعد .. شيء فقدته علاقتنا ليصبح البعد والقرب سيان …

اتأمل حال الشخص الذي اساء له اخر أو اهمله او حتى ظلمه .. فتراه لم يعد يكترث لوجود الاخر .. لم تعد مكانة الاخر كما كانت .. فتراه ينظر للامور من جانب اوسع واعظم .. فلم يعد تفكير الاخر يعنيه .. كل ما في الامر هو يفعل ما يعجبه ويرضيه .

أتراها مرحلة نضوج عزيزي القارىء ؟ مرحلة ادراك أن الحياة مستمرة ومن لا يريدنا لن نمد يدنا له الف مرة سنكتفي بمدها مرتين او ثلاث ونحاول اربع ونغلقها من بعد الخمس الى الابد … ولكنني هنا أقف لأتساءل ولأتامل كيف يبهت بريق العلاقات بهذا الشكل ؟ يا الهي كيف يصبح من كان بالامس كل شيء اليوم نراه كالبقية ؟ اي قدرة الهية تلك التي تمنحنا القوة وتجعلنا نعود الى مرحلة ما قبل معرفتهم او ربما مرحلة المعرفة الحقيقية …

اتأمل وما زلت أتامل … فبالتأمل أحيا .. فأرى ان لحظة النضوج هذه التي اقصدها ما هي الا مرحلة ترفع جميل وفهم للعلاقات بشكل صحيح .. فما يتحدث به المعظم عن الحب او الصداقة او الوفاء او غيرها من المفاهيم الراسخة .. نجد انه مجرد حديث .. لكن المعظم لا يدرك ماهية تلك الاشياء او على اقل تقدير لا يتقنون تطبيق ما يقولونه ..

فلسفة الحياة غريبة … سرعة تغير الانسان أكثر غرابة والشيء الوحيد الطبيعي في هذه الحياة أن مرحلة النضوج والتحول في حياتنا مرتبطة بموقف لا بزمن … بفكرة لا بشخص .. بتأمل تصرف لا بتصديق قول .

#حنان_القرعان

3 تشرين اول 2019

About حنان القرعان

Check Also

أحلام وأوهام – حنان القرعان

أحلام وأوهام - حنان القرعان ما بين الحلم والواقع، وما بين الرضا والتخبط، والنجاح والفشل نكون نحن، ننشأ بأحلام وردية وقد نتفاجأ بأن ما نراه بعيدا

%d bloggers like this: