قراءة نقدية لقصيدة يا حظ للشاعرة نجاة هاشمي – الناقد عباس الجبوري

قراءة نقدية في قصيدة الشاعرة المغربية نجاة بنسعيد هاشمي يا حظ 

 

الشعر تأصيل للجمال على شواطئ الحياة، ونبذ للقبح، وصرخةُ تقلقُ وجدان الغافلين،،فالشاعر يغرسُ في وجدان الأجيالِ شتلاتِ الحبّ والجمال عبر صحائف الكلمات يستشعر بحساسيته أوجاع وهموم وهواجس المحبين والمجتمع ، يحلّق بنا عالياً، يحاول أن يسقينا ماء أنقى وأعذب، معطراً بالخيال.
والشاعر المميز يعبر عن سهوب الايقاع وعلى متن أجنحة موسيقا تفعيلات قصيدته ثكون خلجاتِ جملته الشعرية، فيحملنا إلى عوالم مختلفة، ربّما أكثر سموّاً وجمالاً مما نعيشه أو نتوقعه ..
والشّاعرة المغربية نجاة

قراءة نقدية في قصيدة الشاعرة المغربية نجاة بنسعيد هاشمي يا حظ 
بنسعيد هاشمي تحملُ حرفها الياسمين على أجنحةِ قصائدها ..
منذ وقت عرفتها ، تحاول الحفاظ على الشكل العمودي ، وظلت وفيةً له في زمن كَثُرَ فيه الحديث عن الحداثة الشعرية، وهي ليست معارضة لها، لكنها
تسعى إلى إبقاء اللغة العربية في الذروة دائماً ولا تتركها ،
لتبقى العربية على روعتها وفخامتها في قصائدها ،
والمثل الذي لا يغيب عن اعيننا وتذكرنا به ، الشاعر الكنز محمد أحمد البقالي (1927-2017 الذي استطاع أن يُبقي على جلالة اللغة العربية وعارض عيون الشعر العربي، امتلك رافدا علميا خصباً ومعينا فنيا ثراُ، ولَّد لديه الإحساس بالوزن الموسيقي الذي أعتبر سلما لشاعرنا في دراسة علم القوافي .

استطاعت الشاعرة نجاة
بن سعيد في قصيدة ( ياحظ) إن تقتحم الشعر العمودي بحصان نافر في ثنايا المُخيّلة، كونه عصي في هذا الزمن على كل ضرورة، فهو برق، وبئر أسرار، ونبع جمال غريب،، هو الضرورة المُقيمة في لُغزها العصيّ وهو كوكب الكلمات السابِح في كونه الشخصي يُغامِر في الوصول إليه عشاقٌ مسحورون مسكونون بالكلمات الجميلة والموسيقى الغنية على إيقاع عروض ابو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفرهيدي .
للأمانة، أبداً ما شعرت يوماً بغربة وأنا أقرأ قصيدة عمودية لنجاة بنسعيد … على العكس، أشعر بارتياحٍ وفخرٍ واعتزازٍ ما دمت مُقتنعاً بأن قصائد نجاة تعبّر بصدقٍ وجمالٍ عمّا أريد الخوض فيه ويستقبل ذائقة القاريء ، وهي شاهِد إثبات على قُدرتها على إيصال الرسالة النبيلة التي ترغب في إبلاغها للمُتلقّي في ثوبها الأنيق بمعانيها السامية وصوَرها الأخّاذة ووحدة موضوعها وتماسكها بوزنها وموسيقاها وقافيتها المطربة
وتكامل المعنى .
بل أصبحت تستردّ مكانة القصيدة العمودية، وبقوّة في حَمْأة هذه الرداءة المُستشرية في عالمنا، بخاصة إثر ظهور شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة .. ومن المُلاحَظ أن القصيدة العمودية لها مريديها في المغرب الأقصى ..

القصيدة : (يا حظ)

يا حظُّ مالكَ لا تزورُ دِيّاري
أَعمَدْتَ هجْري أم نسيتَ مَزاري

مالي أراكَ قَسَوْتَ دونَ دوافِعٍ
لمْ يُجْدِ في كُلِّ الرَّجا إِصْراري

أَهُوَ امْتحانٌ أمْ بلاءٌ فَلْتُجِبْ!
علِّي أرى سبباً يَرُدُّ قَراري

أوْ علَّني أجِدُ القناعَةَ في الرِّضا
بقَضائِكَ المسْطورِ في أقْداري

ُمتَوسِّمٌ قلْبي ببَعْضِ دُعائِهِ
علَّ البشائِرَ تقْتَفي مِشْواري

فَوْقَ احْتمالي مالبِسْتُ منَ الأَسى
وطوَيْتُ صَبْري واجْترعْتُ مَراري

أمْضي بِخْطْوٍ لا سبيلَ يحُثُّهُ
أجْتَرُّ نَفْسي كيْ يدومَ مَساري

كَمٌّ منَ الأحْزانِ تَعْصِرُ خافِقي
أمْضي وَأحْمِلُ هامتي وأُداري

منْ كَثْرةِ الأهْوالِ زادَ تصَبُّري
ليْلي تَساوى في الأسى بنَهاري

ما عادَ حظٌّ يسْتَفِزُّ تَيقُّني
أسْلَمْتُ أَْمري للْحفيظِ الباري

نجاة بنسعيد هاشمي
ة
الواضح في قصيدة ( ياحظ ) المعجم والحقول الدلالي بين القديم والحديث
بدأت بجملة فعلية …

الشكل البصري :
يا: حرف نداء للقريب والمتوسط والبعيد، مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

الحظ: هو مصطلح النصيب المترتب لشخص من الوقف ونحوه..من الناحية الفقهية

يا حظ عنوان باذخ لقصيدة فعلية ..ومن المهم نقول لا يكتب الشعر ما لم تكن هناك قضية ، ومحنة ، وحالة نفسية ووجدانية يعيشها الشاعر أو حالة من التضرع والطموح ، أو لأجل مطمح مادي أو معنوي .
المهم أن تأتي القصيدة ويسكب فيها الشاعر مشاعره الجيّاشة ، ويصقلها بمعاناته وهمومه اليوميّة ، وعند ولادة القصيدة وتشكّلها لابدّ من عنوان لها , يختزل كل ما فيها , ويكون هو الباب / العتبة التي عن طريقها يمكننا الدخول الى عوالمها الخفية والبعيدة ، ويهوي في أحضان الحيرة ليطبق على أنفاس الرّجاء / نعم أن عنوان القصيدة يتوارى خلفه الكثير من الابداع الذي يتطلب منا مساحات كبيرة وكثيرة من اجل الالمام به ومعرفة كنوزه الرائعة .
لذا فأنّ عنوان القصيدة يعتبر اشارة سيميائية يعمد الشاعر الى كتابته ، ويحمّله كلّ أحمال القصيدة ،فعنوان القصيدة يجب أن يكون مطل على قصيدة مختزلة إلى ابعد الحدود ، وكلّما أحدثنا خرق معين في هذا العنوان تتدافع شلالات هائلة حيّة نابضة شظايا هذه القصيدة ، بعدما كانت متجمّعة ومختزلة فيه .

ويا حظ ..عنونة غير مألوفة في الشعر التقليدي ولكنها ناضجة في الشعر الخليجي المحلي ..
ولأنّ العمل الشعري الرصين يحتاج دائماً الى دلالات ورموز ، ونقاط دلالة، فكان (يا حظ) عنوان قصيدة / من خلاله تمكنت الأستاذة نجاة من الوصول الى قيمته الإبداعية وجماليته وتجتمع كلّ هذه الدلالات والرموز / الفرعية / تحت دالة بارزة تهيمن عليها جميعا وتكون منطوية تحت الوانها أبيات القصيدة ..
في هذا التجلي تستنفر الشاعرة حواسها بمناداة وإستفسار وشكوى الزمن ..

( يا حظُّ مالكَ لا تزورُ دِيّاري
أَعمَدْتَ هجْري أم نسيتَ مَزاري ) ..

تخبرنا الشاعرة من خلال مفرداتها عن محنة الانسان في هذا العالم /الهجر / النسيان/ المزار المنسي ..

وعلى صعيد الايقاع
والموسيقى، تسعى الشاعرة دائماً إلى استخدام الايقاع الموسيقي الدّاخلِي في قصيدتها، بحيثُ يتناغمُ الايقاع الداخلي مع موسيقا البحر الشّعري، ليشكّل مقطوعةً موسيقيةً عابقةً بالجمال، من حيث اللفظة الشّعريّة المنتقاة والتي تحملُ الايقاع و الإحساس معاً .

استخدمت الشّاعرة اللفظة السهلة،واللغة المهذبة المشبعة بالإحساس، والجملة الشعريّة المشحونة بالوجدان والعاطفة ..والإيقاع النفسي بين / رقة /حزن –

مالي أراكَ قَسَوْتَ دونَ دوافِعٍ
لمْ يُجْدِ في كُلِّ الرَّجا إِصْراري

تكثر هنا في مخاطبة الغائب
بإشارة المفردة إلى/ القسوة/الرجاء/ الإضطرار ..
لتوضيح شرف المعنى وصحّته ،جزالة الألفاظ واستقامتها ،الإصابة في الوصف، المقاربة في التّشبيه ومناسبة المستعار للمستعار (القسوة – الرجاء )منه مشاكلة الألفاظ للمعاني مع شدّة اقتضائهما للقافيةالتحام أجزاء النظم والتئامهما على تخبّر من لذيذ الوزن …لتؤكد
خصائص الشعر العمودي في التزام القصيدة بوحدتي الوزن والإيقاع، لتبين لنا قراءتها بشكل مدروس قواعد الشعر العمودي ١و كون ذلك من خلال التزام الشاعر بأحد البحور الشعريّة الستة عشر، والكامل كان محور انعطافها اليه ،التزاماُ بوحدة القافية.. فالشاعر مُلزم في قصيدته بأن يُنهي جميع أبياته بالقافية نفسها، وتُعرَّف القافية على أنَّها آخر ساكن إلى أقرب ساكن يليه حرف مفتوح، وتختلف القافية عن الروي الذي هو آخر حرف في البيت الشعري؛ والكثير من القصائد العربية ارتبط اسمها بقافيتها كنونيّة ابن زيدون، ولاميّة الشنفرى، وسينية البحتري المعروفة. ترابط أبيات القصيدة مع بعضها البعض، سواءً في الأفكار، أو المعاني، أو العاطفة، وبالرغم من تعدد الموضوعات فيها، من شكوى وعتب كما في المقدمة الطللية،، ، إلا أنه لا يُفكك الأبيات إنما تتعانق مع بعضها البعض بطريقة سلسة وجميلة. انتقاء الألفاظ والكلمات بدقة، ومناسبتها مع الغرض الرئيسي فيها. صدق العاطفة والوجود، وظهورها من أول القصيدة وحتى نهايتها مع تنوع الأساليب البلاغية البديعية فيها، من تشبيه، واستعارة، وكناية، مما يُعطي القصيدة قوة إيحائية، وإبداعية جميلة ، وكأنها تتماثل وأسماء بعض شعراء الشعر العمودي المتنبي ، أبو تمام، حبيب بن أوس الطائي، زهير بن أبي سُلمى. بشار بن برد. عمر بن أبي ربيعة. بن مُعمَّل .
وكثير من الشعراء كتب عن الحظ وهذا محمود درويش يقول ….
تمرد قلبي عليّ.

أنا العاشق السيء الحظِّ
نرجسة لي وأخرى عليّ

أمرّ على ساحل الحب. ألقي السلامْ
سريعاً. وأكتب فوق جناحِ الحمام
رسائل منِّي اليّ.

ومن فنون الشعر الحديثة التي تشحن بها نجاة قصيدتها العمودية الجديدة، كما انه تقع في بعض الاحيان في هنات عروضية بسيطة وذلك نتيجة الضغط الشعري والدلالي ولكن الايقاع يبقى صارما مادام الشاعرة تركب مركبه الصعب كقولها :
أَهُوَ امْتحانٌ أمْ بلاءٌ فَلْتُجِبْ!
علِّي أرى سبباً يَرُدُّ قَراري

أوْ علَّني أجِدُ القناعَةَ في الرِّضا
بقَضائِكَ المسْطورِ في أقْداري

قد يكون المدخل الأستنباطي متاخراً بإستخدام شعرية التناقض القولي كقولها :
فَوْقَ احْتمالي مالبِسْتُ منَ الأَسى
وطوَيْتُ صَبْري واجْترعْتُ مَراري ..
لا شك أن جوهر البلاغة في المعاني والبديع اخذ مداه كلما توغلنا في أعماق القصيدة، وجدنا الجناس
قانوناً، هو تشابه لفظين، واختلافهما في المعنى …( لبست الأسى – واجترعت مراري ) ..
ذهبت الشاعرة إلى الطباق
حتى يؤتى بمعنيين متكافئين، والذي أرادت بقولين متكافئين، متقاومان، أما مـن جهة المضادة أو السلب، أو غيرها مـن أقسام التقابل الجمع بـين الشيء ونقيضه :

منْ كَثْرةِ الأهْوالِ زادَ تصَبُّري
ليْلي تَساوى في الأسى بنَهاري ..

من خلال قراءتنا للمدخل البصري لقصيدة ( يا حظ ) للشاعرة المغربية ، ” نجاة بنسعيد هاشمي ، تمتلك بناء القصيدة العمودية الحديثة المرسلة ، وقادرة على الشعر العمودي وتطويره ، لانها استفادت من كل كبوات القديم كما انها استغلت التطور الوحيد الذي طرأ على المضمون حيث وكما نرى ان محاولات التطوير في الشعر كلها تناولت الشكل ولم تتناول المضمون وحده ،في
تشكيل الصورة الشعرية ( تعبيرية / جمالية إيحائية )
لذلك فهذه القصيدة هي خلاصة التطور في الشعر من خلال العودة إلى الشعر العمودي بقدرة عالية وإظهار البساطة في فهم ذائقة المضمون والمعنى ،، فالقصيدة غنية بالكثير من المعاني والصور، بقي أن نولي القشرة الجمالية للنص الأدبي العربي ما يستحقه من اهتمام وسبر أغواره وكشف مخبوءاته، فمن واجب الناقد الحريص حينها على رفع هذه القشرة بحذر شديد ، لأن منشدتها شاعرة وجدانية ، بجمال نظمها ، ونحن نحب كل شيء جميل ، ونحرص على الاحتفاظ بجماله، لننفد إلى المضمون في التحليل الصائب ونكتفي بذلك، ونترك باقي الصيد للماورائيات التي تحتفظ بها الشاعرة لنفسها ، فالناقد الحصيف لا يروم التفكيك المستمر الذي يشظّي النص ويخلق فيه التناقضات،، إذا كان مدى تمثيلية القصيدة للخطاب الشعري الذي تنتمي إليه و مدى صدق ورؤية /رؤيا الشاعر و مواقفه و مشاعره تجاه الموضوع أو القضية التي يتناولها..
بذلك.افصحت الشاعرة نجاة بنسعيد عن خطابها الشعري
ومساهمته العامة في تطوير الشعر و مقارنته بشعراء ينتمون لنفس الخطاب أو للخطابات الشعرية الأخرى
،في تحديد الوزن / البحر وتفعيلاته / باحترامها النظام الخليلي وعدم خرقه /مع بيان وظيفة البحر الكامل موفقة في إختياره ليناسب الغرض و الحالة النفسية المعبرة عنها.
وبذلك كانت مهمتنا سهلة مع نص وشاعرة تحلق في سماء الإبداع ..
أمنياتنا للشاعرة نجاة بنسعيد
التطور المطرد في تجربتها الشعرية المونقة .

قراءة نقدية في قصيدة الشاعرة المغربية نجاة بنسعيد هاشمي يا حظ 

الناقد عباس الجبوري
الأكاديمية العربية للنقد

قراءة نقدية في قصيدة الشاعرة المغربية نجاة بنسعيد هاشمي يا حظ 

About Abdulrahman AlRimawi

Check Also

قراءة لقصيدة الحج لغزة للشاعر ماجد النصيرات – زكية خيرهم

لحج لغزة هذا العام يكفيكَ نصراً إذْ وقفتَ شُجاعا و ركبتَ موتاً للحياةِ شِراعا يكفيكَ نصراً في السمُوِّ مهابةً و بكَ الرجالُ سيقتدونَ تباعا

%d bloggers like this: