قراءة استيعابية دلالية في قصيدة (يا سيد الخلق) للشاعر فواز غالب عابدون بقلم د. عبد الله حسين كراز

يمنحُنا النصُ عبر عتباته الدلاليةِ فضاءً شعرياً نتوغلُ في سطوره وألفاظه و سياقاته و دلالاته الاسلوبية لتبيان قدسية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومشاعر التثوير للذود عنه شعراً ولغة وفنا ونبضا حسيا بلاغيا شاحنا لعواطف المسلمينَ و العربِ ضد من يسيء لرموز المسلمين والعرب الدينية والتاريخية والثقافية. يأتيَ النص ثائرا مشتثيرا بعد خيبة الظن وانكسار الامل في دحر من اساءوا لرسولنا الكريم خاتَمِ الرسالات السماوية وموحدِ البشرية على خير المعاملات و السلوكيات، وفي كل من تطاول عليه لفظا ورسماً وممارسةً. ان النص يبدأه الشاعر الذي أتقن لغته الشاعرية ليثير فينا نحن جموعَ المسلمين الغضب والثأر للرسول الكريم، حيث من حق المسلمين قاطبة أن يسخّروا كل شيء في الدفاع عن رسول الله والذود عن قيمته وقامته الدينية والروحانية بالحراك الشعبي فناً وشعرا وقلما و إحياءً لسنته. ومن هنا، نقف عند عتباتٍ نصيةٍ مختارة بعناية لتخدم الفكرةَ والمغزى ونقف أيضا عند التجليات الأسلوبية والدلالية في قصيدة (سيد الخلق) ذاتِ المشهد النابض بحيوية الصور والصفات والألفاظ و دلالاتها المتبئرة.

يبدأ الشاعر القصيدة بفعل أمر لجماهير المسلمين فرادى وجماعات “اغضب،” ليثوّرَهم بعد أن فتح عتبةَ النص باسلوب النداء في “يا سيد الخلق،” وكأنه يخاطب الرسول ويتعهدُ أمامه أنَّ أمتَك لن تسكت على الجراح التي سببها كارهوك والمسيئون إليك ولك. وتأتي قيمةُ الغضب في كون الشاعر يواصلُ مدحَ رسول الله (ص) وهي دلالةٌ شاعريةٌ فنيةٌ تأخذ المتلقي لفضاء النص الديني والروحي الشامل، بحيث يقف الشاعر على صفات الرسول، وهو ما يجعل القصيدة عصماء و تمزج بين التثوير والمدح، تثوير القارئ المتلقي العربي المسلم ضد كل من يسيئ لرسول الله المصطفى، ومدح له يعلو سماء من أساؤا له. وفي البيت ذاته، سؤال استفاهمي استنكاري في إقتباس: “أليس لنا من أمرنا الغضب،”

حيث اللغة الجزلة بكل تجلياتها كي تلجَ شغافَ القلب وتحدثَ أثرا تثويريا في القراء والمستمعين. ثم سرعان ما يكثف الشاعر صيغة الشاعريةِ الدالة على تأبطِه نواصي الكلامِ الشعري الجميل، حيث يوظف أسلوب النداء الدالِ على التعجّب في

إقتباس: “يا ويْحَهم فَجَروا فيما ارتكبوا”

كي يتعجب من فعلةِ من أساء لرسول الله (ص) وبما يثير الشفقة عليهم من غضب الله اللاحق بهم لا محالة. وهنا، تتكرر لفظة غضب لتؤكدَ دلالتَها التثويريةَ والغرضَ منها، كما تتكررُ صيغُ الجمع كما في “ويحهم” و “فجروا” و “ارتكبوا” و تدل على سيطرة النبرة الجمعية وأنَّ الاساءة جماعيةٌ باصرار ولا تتعلق بفرد.مرةً أخرى عتبةُ العنوان مفتاحُ النص وبوابتُه لولوجِ عالَمِه الذي يتربع على عرشه نبيُ الله محمد (ص)، أشرفُ خلقِ الله قاطبةً ليمنحَ الشاعرُ القارئَ حقه في التعرف على علاقة الأنا الشاعرة بالمخاطب – رسول الله -، العلاقةُ الحميميةُ جدا، حيث يخاطب الشاعرُ رسولَ الله حاضرا في غيابه: إقتباس: “يا سيدَ الخلق ما مست إسائتُهم أطرافَ بُردِك …لكنْ مسَّنا اللهبُ.”

صوغٌ عميقٌ وفصيحُ الاداء و التعبيرِ و بليغُ الدلالة. ولا يمكن للشاعر تحقيقُ غرضِه في النص إلا بضبط أيقاع العِلاقات اللغويةِ وما ينتج عنها من تحولات دلالية و بالتركيزِ الهادف على المفردات المحكيةِ التي يكررُها الشاعر بصورة شاعريةٍ تثير وعي القاريءِ، كما في تكرار “اغضب و الغضب، وغضب” وكذلك “المختار و للمختار” و “للمصطفى و المصطفى” و “سيدَ الخلق” مرتين و ثالثةً في العنوان. والتكرارُ هنا لا تقتصرُ وظيفتُه في ترديد اللفظة والتأكيد عليها لأهميتها ومغزاها أو لضبطِ النبرةِ الموسيقية الشعرية في النص، و لا تتمثل في مجرد إعادةِ بناءِ التعبير و المصطلحِ أو المفردةِ بأشكالٍ أخرى، بل تكمُنُ الوظيفةُ الدلالية للتكرار في قدرةِ الشاعر على توليد دلالاتٍ جديدةٍ من منطلقات تثويرية دفاعية عن رسول الله وسيد الخلق أجمعين, واولُهم من أساء له. فمفردةُ الغضب بتحولاتِها واشتقاقاتِها تشكلُ بؤرةً نصيةً تحمل عبقَ الحب برسول الله و الدفاع عنه عملا وقولا. وعتباتُ فضاءِ النص تبنيها لغةٌ جزلةٌ لكنها عميقةُ الدلالةِ تحمل قدرتَها على التدليل والتبْئير، وإنتاجِ المعنى والمغزى، وبما يحققُ علاقةً لا تنفصل ولا تنفصمُ بين اللغة و اِشارات النص الدينية والثقافية. حيث، يقول الشاعر ومرةً أخرى مخاطبا الرسولِ (ص): إقتباس: يا سيدَ الخلق إني جئتُ مُعتذرا أنْ بات يعوزُنا في أمرنا الغَلَبُ،

و كذلك في البيت الذي يُقسِم فيه الشاعر بصدقٍ وحميمية قائلا: إقتباس: واللهِ ما انفجرت منا مدامعُنا إلا لأنَّ لنا بالمصطفى نَسَبُ.

من ا لواضحِ أن في كل مفردةٍ هنا مخوزناً لغويا دلاليا ينتصر لرسول الله قولاً وشعراً وحسا وبما يتناسب والحدث. وفي سياق نصي أخر، يوظفُ الشاعر أسلوبَ الذم والتوبيخ والتحقير لمن يتجرأ على رسول الله بأي وسيلة، حيث يقول في أبياته: إقتباس: “يا ويحَهم فَجَروا فيما قد ارتكبوا ،وتجرأ المَسْخُ مزهوّاً بفعلته ،كأنه لم يكن في قوله ذَرَبُ” و “وبات في النار من قد جاء يحتطبُ” و أخيرا في: ضلوا بما صنعوا والله مهلكهم والأمر يومئذٍ لله … فارتقبوا.

نسيج شعري دال على عاقبة الأمر ومن ارتكبه من أعداء الله ورسله وأنبيائه، داعيا فيه الشاعر بعقاب رباني حشرا في النار والهلاك المحتوم، كما أن كل مفردة صاغها الشاعر هنا دلالة على حقارة المسيئين للرسول و على تفاهتهم وخواء أخلاقهم وأفكارهم وضحالة قيمهم العابثة والعبثية. كما أن الشاعرَ يبرع في المزج الفني والدلالي بين اساليب الخبر والانشاء بهدف التشويق والإثارة والتثوير و المدح نصرةً لرسول الله، كما في إقتباس: “فجَروا فيما قد ارتكبوا” و “وشوهوا صورةَ المختار في صورٍ” و “قد حقَ فينا حديثُ المصطفى” وغيرِها،

وهنا اساليبٌ خبريةٌ تدل على حقارةِ وتفاهةِ ووضاعةِ من ارتكب الاساءةَ بحق الرسول (ص). ومن الأساليبِ الانشائية التي وظفها الشاعرُ في قصيدته: “اغضب” وهو أسلوبُ أمرٍ لازمٌ يفيد التثوير والدفاعَ عن الرسول. أيضا، في قول الشاعر “ضَلُّوا بما صنعوا .. فارتقِبوا” أسلوبٌ خبريٌ يفيد الحثَ والانتصار لرسول الله وقامته وقيمته. كلُّ هذه الاساليبِ يوظفها الشاعرُ بلغته الجزلة وبيانِه الأخاذ وفصيحِ حرفِه ليدلَّ على قوةِ بيانِه اللغويِ والدلاليِ وقدرتِه على هجوِ من يسيء للرسول محمد (ص)، وهو ما يشيرُ لافتخارِ الشاعرِ أدبيا وفنيا وشعريا وقيميا بالرسول المختار والمصطفى طه. بالاضافة لما سبق، لموسيقى النصٍ دلالتُها وأثرُها ونبضُها، سيانَ جاءت من القافية و الوزن التفعيلي وزحافاته أو من أسلوبِ التكرار واختيارِ المفردات و الألفاظِ الموحية لجوِّ النص والتثويرية ومن التقديم والتأخير، على سبيل المثال لا الحصر.وتأتي قيمةُ القصيدة كذلك في امتداحها لسيّد الخلْق محمد (ص)، وهي دلالة على عظمة الرسول وعلى أحقية الذود عنه والدفاع عن صفاته ورسالته ودينه والمسلمين قاطبة. ولذلك، يحرص الشاعر على تقديم عميق الاعتذار للرسول الكريم لأن الامة نائمة عمن يسيء له ويرميه بما ليس فيه، حيث يقول أولاً موجها اللوم لأمته: إقتباس: هانت عليهم ملايين مبعثرة فما استهانوا وما ارتابوا وما احتسبوا

ليكملَ، بلغته الجزلة ومفرداتِه الدالةِ على تأنيب الضمير، لوحةَ اللومِ في إقتباس: “قد حق فينا حديثُ المصطفى، فلَكَم أصابنا الوَهْمُ والآنامُ تصطَخِبُ … ما بالُنا مِزَقاً ضاعت مهابتُنا”

وغيرِها من أبنيةٍ شعرية تكثف لحظات اللوم و تأنيب الضمير على سكوت المسلمين عما يجري لرسول الله من إساءة تجرح الكلَّ المسلم. وتأتي صيغةُ الاعتذار مكثفةً مع اللوم في بيتٍ يحمل دلالاتٍ عميقةً اتجاه رسول الله (ص): إقتباس: يا سيد الخلق إني جئت معتذرا أنْ بات يعوزُنا في أمرنا الغَلَبُ.

في النص عديدُ الاستعاراتِ الدالة على الثيمات انفةِ التفصيل والذكر بدءا – على سبيل المثال – مِنْ إقتباس: “هانت عليهم ملايين مبعثرة فما استهابوا”

لتدل على كثرة المسلمين الذين تبعثروا وهان عليهم قدوتُهم ورسولُهم، فهو أمر مزعج ومحزن جداٍ، كما في إقتباس: ما بالُ صَمصَامِنا شابه صدأُ

للدلالة على حالة الضعف المدقعِ الذي نهش عظمَ الامةِ المسلمةِ في كل أسقاع الارض. وتكمن بلاغةُ هذه الاستعاراتِ في توضيح المعنى والمغزى وتجلياتهما. من الجلي، أن الشاعر أتقن اسلوبَه الشاعريَ في البُنية الفنية بحيث يوظفُ مفردات فصيحةَ الدلالةِ والصوغِ مألوفةً للقارئ المتلقي، فالنص بين أيدينا فنيا و بنية وشكلا مقبول ودلالي بامتياز، فيه من الألفاظِ المركبةِ ما يُجمّل تراكيبَه وعباراتِه بعيدا عن التكلّفِ والمبالغةِ لأنَ النصَ تثويريٌ بموضوعيةٍ، فيه من الحماسة والمدح لرسول الله ما يليقُ بمقام الرسول وقيمته وقدسيته وفيه نصرةٌ له ودفاعٌ عنه في كل وقت وحين.ختاما، مهما اجتهد القاريء والمتلقي والناقد في تحليل النص وتجلياته و شرحها فلن نأتي على كل بؤره لعمق دلالاتها وأساليبها وتنوع بنيتها و مفرداتها وأركان الكلام فيها.

Read more

About سفانة بنت ابن الشاطئ

Check Also

جَحَافِلُ النَّزْوَةِ – الشاعرة خديجة بن عادل

عَلَى أَعْتَابِ ذَاكِرَتِي وَفِي سَبْرَاتِ الشِّتَاءِ لَبِسْتُ عَبَاءَةَ الوَجْدِ وَتَرَاتِيلَ مِنْ قَافِيَتِي انْتَظَرْتُ دِفْءَ شَمْعَةٍ

%d bloggers like this: