سواليف قاضي معزول

على نمط الحكاية الشعبية

كل يوم حكاية

مقدمة

هذا المجموعة القصصية التي عمدت إلى تسطيرها باللغة العامية المحكية ، ما كانت انتقاصا من قدر اللغة العربية الفصيحة ، وليست دعوة لاستخدام اللغة المحكية لإزاحة الفصيحة عن عرشها ، ولا هي دلالة على قصورها عن مواكبة العصر و طعنا بقدراتها ، فلغتنا الكريمة التي اكتملت اكتمالا أقرب ما يكون إلى الكمال المطلق ، لا يشينها هلع المصابين بالفوبيا ،  فهي بحر هائل عميق لا ينضبه ثقب ولا تلوثه شائبة ، فقد ظل جوهرها عبر خمسة عشر قرنا صافيا أصيلا يلتمع رغم ركام الجهل والتخلف والإهمال .

اللغة المحكية أو الشعبية ، لم تأت جزافا ، أو من صنع أحد ، بل هي نابعة من محاولة لإعطاء اللفظ  دلالات أعمق ، من خلال جرسٍ موسيقيٍّ معين ، وخضعت الكلمة وأحرف العلة فيها لعمليات  المد والقصر والقلب والإدغام وغيرها حتى بدت الكلمة وكأنها كلمة أخرى .كما خضعت الجملة لبعض التعديلات الشكلية التي تحررها من قوانين الصرف النحو .

 تُستعمل هذه اللغة المحكية في الشعر الشعبي ، والزجل والغناء ، ولا يتحرج شعراء كبار من نظم الشعر باللغة المحكية ، كما لم ترتفع كثير من الأصوات استنكارا لاستعمالها في المسرح والمسلسلات التلفزيونية ، والحوارات الفكرية ، فما يمنع من استخدامها في القصة ؟

إذن فليس هذا الكتاب نبتا شيطانيا بلا مبررات ، ولا تقليعة احتذيت بها حذو أحد ، وإن كنت لا أعدم من تواردت أفكاري مع أفكارهم ،  وفعلي مع فعلهم ، إنما كان عملي هذا محصلة لكثير من الأفكار التي راودتني فرادى وزرافات ،  وإني أعرضها لزملاء الأدب والنقد ، على قاعدة من القناعات القابلة لصواب والخطأ ،والقابلة وللدحض أوللتعديل .

  • إدراكي بأن لغتنا العربية ذات مستويات تعبيرية ، يصعد المبدع سلمها بما يتفق مع ثرائه الإبداعي ، واللغة المحكية لها قدرتها التعبيرية أيضا ، ولا ضير على المبدع أن يستخدم ما شاء من المستويات اللغوية .
  • في أدبنا الحديث تجاهل أو جهل بالتفريق بين الأدب المقروء والأدب المسموع ، فلدينا شعر لا يمكن حفظه ، كتبه الشاعر وفي ذهنه قارئ يتلقى منه على ورق ، ولم يتعب نفسه في تلمس الأدوات التي توصل شعره عبر الأذن ، كما كان يفعل الشعراء قبل الحداثة ، حيث دمرنا في الشعر بعض (الأنزيمات) التي تساعد على تقبله وهضمه ، جهلا منا بوجودها  ،  فإذا بنا ننتج شعرا لا يعلق بالذهن ، ومثله أنتجنا قصصا لا يمكن تناقلها شفاها كما نتناقل الحكايات والقصص الشعبية  ، فهل أكون في هذا العمل أنتج أدبا سماعيا يمكن حفظه وتناقله ؟
  • والحكايات الشعبية التي جمعناها منذ زمن ، حفظا لها من الضَياع، هل نضب معينها ؟ وغدت أثارا ومستحثات تضمها المتاحف وبطون الكتب، ولا يمكن النسج على منوالها ؟ ، فهل ما زلنا قادرين على صنع الحكاية الشعبية كما نصنع النكتة السياسية ؟ نعبر فيها عن ذاتنا وشعورنا ومفهومنا للحياة ؟ أم أن المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية ، قضت أو جففت منابع الحكاية الشعبية ؟
  • نعرف أن الشعر له طرفاه ، الأول هو الزجل والقصيد المتوارث الغير معروفة القائل ، والطرف الثاني شعر الفصحى ،الموزون والمنثور، وهناك جسر بينهما من شعر العامية يكتبه شعراء محترفون ومعروفون ، وحينما نرى أيضا حكايات شعبية  ابدعها مؤلف مجهول وفي الطرف الآخر قصة حديثة باللغة الفصيحة ،ألا يجدر بنا أن نجسر بينهما بقصص يكتبها قاصون معروفون ، لكي نجعل للإبداع القصصي مستويات ثلاث ، قصة شعبية وقصة بالعامية وقصة حديثة بالغة الفصيحة  ، كما جعلنا الشعر ذا مستويات ثلاث زجل. وشعر بالعامية ، وشعر باللغة الفصيحة
  • تساءلت كثيرا إن كان الإبداع القصصي حكاية كانت أم قصة ، ضرورة أم ترفا ، وبعد طول تأمل اقتنعت أن القص وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي ، وبالتالي فهي ضرورة ، بغض النظر إن كان مكتوبا أم كان شفاهيا ، باللغة الفصحى أم بأي لغة كانت ، خبرا تقريريا أم قصة فنية ، اكتملت شروطها الفنية أم لم تكتمل ، فالقصة ضرورة اجتماعية وثقافية لا بد منها ، وعلينا أن لا نبقيها اسيرة الكتب لا يقرأؤها إلا نخبة من المثقفين.
  • الهدف الذي أنشده من هذا العمل ، هو أن أصنع حكايات على نمط الحكايات الشعبية التي توارثناها ، من حيث هدفها الاجتماعي والثقافي ، ومن حيث عناصرها النابعة من البيئة والدالة عليها ، ومن حيث بنيانها وتقنيتها التي تراعي انتباه السامع ، والإمساك به والحرص على تلقينه القصة كاملة ، ونتركه يتمثلها بخياله  ويثريها من مخيلته بما أثارت به من أحاسيس وأفكار ،وبالتالي يغدوهو الكاتب الثاني لها والناشر أيضا، ويستطيع أن يعيدها شفاهيا بلغته وحسب فهمه ورؤيته ، أكثر من مرة ، لأولاده وحفدته وصحبه  ، عند السمر وتزجية الوقت أو إيراد الأمثلة المناسبة ، وبالتالي هل أحلم مستقبلا بمبدعين يطوفون المجالس والنوادي يقصون على مستمعين لهم حكايات من تأليفهم وليست من التراث؟ كما كان يفعل الحكواتي أو كما بفعل الزجالون وشعراء اللغة المحكية والمغنون.
  • هل أكون بذلك قد أقدمت على كتابة قصة حكائية ، يمكن أن تصبح جنسا أدبيا بين الحكاية الشعبية والقصة القصيرة ،على غرار شعر اللغة المحكية ، الواقع ما بين الزجل المغنى والقصيدة الفصيحة ، الذي تتألق به قامات شعرية كبيرة مثل الأبنودي وأحمد فؤاد نجم  في مصر ، ومظفر النواب في العراق ، وعمر الفرا في سوريا ، وراجح السلفيتي وصلاح الدين الحسيني ( أبو الصادق) في فلسطين ، وعاهد شاكر نايف أبو عبيد وعطا الله أبو زياد في الأردن .
  • أما عن هذه المجموعة التي أزعم أنها على نمط الحكاية الشعبية ، وأجهدت نفسي كثيرا في انتقاء موضوعاتها وأحداثها وشخصياتها التي تناسبها ، وسعيت لكي تستريح النفس لسماعها ، فتحفظها وترددها ، فأبدعتها بوعي وقصدية مراعيا فيها الأمور التالية :
    • لم استخدم لغة مناطقية ، إنما لغة العاصمة عمان ، إذ انصهرت بها كل اللهجات البدوية والريفية والمدنية ، فغدا هذا المزيج لغة أردنية لها سماتها المميزة ، التي تدل على الهوية الأردنية، وليست بعيدة عن اللغة المحكية في بلاد الشام . ولكن هذه اللغة ليس لها نموذجا مثاليا في الذهن يمكن أن يقتدى .
    • تتحدث معظم هذه المجموعة عن فترة أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات تحديدا ، فهي فترة ثرية بالمتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحضارية ، كما هي الحكاية الشعبية التي تشي بالزمن والمكان اللذين نبعت منهما .
    • معظم هذه القصص تقريبا حدثت في المدينة ، ولا أدري لذلك سببا
    • لم تحتو هذه القصص على خرافات وأساطير وضباع وجن وشياطين، لأني لا أرى في ذلك شرطا من شروط الحكاية الشعبية ، بل ضمنتها من الحضارة الراهنة وتعقيداتها وإشكالياتها الكثير.
    • المشكلة التي واجهتها هي الإملاء ، حيث أن اللفظ الذي تحور عن الفصيحة ، لم تتحور كتابته أيضا ، وكما قلنا فهذا أدب سماعي ، يجب أن يقرأ وفي الذهن التراكيب العامية ونطقها ، ولا أدري ، فعسى أن يهتدي أحد لأسلوبٍ كتابيٍّ يصلح لكتابة اللغة المحكية .
    • بقدر ما حاولت أن أجعلها على نمط الحكاية الشعبية بقدر ما حاولت أن التزم بشروط القصة القصيرة ، ذلك أن الحكاية الشعبية هي قصة مكتملة أيضا.
    • جعلتها تحتوى – كما هي الحكاية الشعبية – على قدر من الفكاهة والسخرية والنقد الذاتي والحكمة والرمزية ، بغير ما تكلف أو إقحام لها على الموضوع .
    • هل يعتقد أحد أن اللغة الشعبية جديرة بالتسجيل ؟ وخاصة أنها سريعة التحول ، فإذا كانت هناك رغبة لتسجيل هذه اللهجات فإن مثل هذه الحكايات ستقوم بهذه المهمة .

8 – لا أزعم أني أقدم عملا متقنا ، ومشروعا ناجزا ، إنما هو عمل مثل جميع المحاولات التي تأتي عفو الخاطر، وقد تمتلك الجدة والتميز ، والأسباب الموجبة ، ولكنها مثل كل المشاريع قابلة للموت والحياة ، وقابلة للتطور ووجهات النظرالمتباينة

 سعادة ابو عراق

الزرقاء _

30/5/

Read more

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

ستنجلي الغيوم – مها حيدر

لم يكن مفاجئًا ، صوت الانفجار ولا الدخان ولا منظر سقوط الأبنية ، كان أبي يحضن اختي الصغيرة ذات العامين ودموعه تتساقط على لحيته وقد بللت ثيابه ، الخوف في عينيه على اخوتي بعد أن فقدنا امي قبل يومين أثناء سقوط الدار على رؤسنا بعد قصف شديد أحرق الأخضر واليابس ..

%d bloggers like this: