رجلُ الثلجِ / رنا آل شعر

رجلُ الثلجِ، ابن الإثني عشرَ شهرًا، يكبرُ كلَّ يومٍ بين ملامحِ الأطفالِ وموسيقى الأرضِ التي تخطرُ على بالِ الطّلا،
فيكبرُ بيننا كلّ عامٍ صلاة دائمة..

يَحملُ على عاتقيهِ أدعيّة الفقراءِ وأحلامِ المدن المنكوبة التي خلّفتْ الكثيرَ من الفراق الموحشِ والدامي..

الرجلُ ذو اللحيّة الحليبية حيث يَغزو بياضِها الممرات اللّيلكية والتي لا يَقرُبها الصَّهباءَ،
يبحثُ طيلةَ الدهرِ عن حبيبةٍ تُرافقهُ رحلتهُ السنويّة ودورانهُ المُثقلِ بسرعةِ الأيام،
حاملٌ في عينيه الخضراوتين حقول مفعمةٍ باللاّزَوَرد، تَرخي حرارة التراب، لتكونَ أكثرَ خصوبةً في بردِ الشتاء..

حكايا متوهّجةٌ تمرُّ بخفةٍ بالغةٍ على ثوبهِ المُشبعِ برائحة الياقوتِ تشدُّ على الطريق حزام الأمان؛
كي لا تتقطعَ أوصالُ الصبر بين العاشقين..

الأطفالُ هنا يتجمّعون..
يّرقبون قدومَهُ في شغفٍ،
يَلصِقون أيديهمُ الناعمة على أعيُنِهم المضيئة وقلوبُهم في أوجِ اشتعالها لانتظارِ الهدايا الملونة..

ونحنُ..
نحن هنا نكبرُ كلّ عناقٍ
مع الوقتِ،
مع الليل ومع الأحلامِ الثملّة،
ننمو تحت هذا الضوءُ السماويّ المُشع..

نُخرِجُ قَبضَاتُنا المُرتعشة من جيوبِ معاطفنا الربيعية،
نُلوّح من بعيدٍ لقدرٍ أبيضٍ،
بأن يلينَ ويُذوِّبَ الإنتظاراتِ التي أَحرقتها الطرقات في أحاديث الريحِ للقَصبِ،
وينثرُ بها قطعًا من اللقاءاتِ الثلجيّة ..

وفي الثانيةِ عشرة قبل أن يحلَّ منتصفُ الليلة كرائحةِ الخبزِ تَخرُجُ قلوبنا الساخنة من جعبتهِ الحمراء ونقدم القرابين للإله.

رنا آل شعر

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

ستنجلي الغيوم – مها حيدر

لم يكن مفاجئًا ، صوت الانفجار ولا الدخان ولا منظر سقوط الأبنية ، كان أبي يحضن اختي الصغيرة ذات العامين ودموعه تتساقط على لحيته وقد بللت ثيابه ، الخوف في عينيه على اخوتي بعد أن فقدنا امي قبل يومين أثناء سقوط الدار على رؤسنا بعد قصف شديد أحرق الأخضر واليابس ..

%d bloggers like this: