الهبوط للجنة – فاطمة شريح

الهبوط للجنة – فاطمة شريح

الهبوط للجنة - فاطمة شريح

بعد نفس طويل ، قد حان وقت التحرك والطريق قد يطول ، حزمت أمري لأجد نفسي عند أول التعليمات التي ابتسمتْ بخبث ، وقدمتْ لنا تساؤلا بمنتهى البساطة ، ان  أردت الجنه عليك الهبوط بتعداد أربعمائة وخمسون درجة نزولا ، وهذا ما أربكني حقا ، و وشوش تصوراتي عن مكان الجنة التي طالما تخيلتها بمكان عال جدا ، فقررت ايقاف  تصوراتي  قليلا على جنب وأن أسلك طريق جنة هؤلاء التي تسكن في القاع ، وهذا ما أدعى  مني  شد رباط عزمي ، .لأخذ الطريق بجدية وثبات  أكثر ، استبدلت  نظارتي الشمسية  بالطيبة ، ليتضح الطريق ولا أضلّ فأقع بشر مغامراتي ، هذا بعد أن خاب ظني بأمنا الطبيعه التي قدمت لنا درجا قاسيا مستعصيا ، يزداد مواربة  مع كل نزول ، الا أنها كانت تتقصد مفاجأة مريدها بالأشجار الوارفة على جانبي الدرج ، كأبوين عطوفين حانيين ، وبشهقة انطلاق حلت طفلة، تتدلل بفستان ملون وتأرجح مع النسمات الباردة ، وتشدو بتوق بريء مع الطيور الفرحة الحالمة ، وتبادل الفراشات لثمها، شغفة تواقة لوصول مبهج ، الا أن هذا لم يك ليتسمر ، فتشنجات عضلات أرجلي أعادتني أرضا ، والطريق ازداد رطوبه وانزلاق ، مما استوجب مني استراحة ملحة قد تزيل عني التعب والمشقة .

جلست تماما بفوهة المغارة المدعوة بالجنه عند معبد ديني غائر بالقدم ، يزدان بالنقوش والصور لرموز دينيه متعاقبة بالزمن ، وما إن استرخيت  وحلحل بعض التعب عن كاهلي ، أعادتني الأفكار لرشدٍ أفاقني على تساؤل ، عن جدوى المزيد من النزول المضني، والمزيد من التعب . وأن بإمكاني العودة ببساطة  والرجوع للاماكن التي أآلفها، وللناس التي أعرف، وهنا حامت  قصيدة للشاعر العراقي (قاسم سعودي ) فوق رأسي الصغير كطائرة ورقية ملونه حيث كان يخاطب الأوطان والمتحاربين .. يقول ” أنا لا أحب الجنة  ، أنا أحب شوارع بغداد …سوقنا الشعبي مثلا ” الى آخر القصيدة التي أحسست بكل كلمة فيها بتقلص خيط طائرتي  وتقترب .

وبانتظار اللوذ من فكرة الهبوط ،الأفكار التي تتعلق بالجنة التي فيها ينبذ  الحنين  ، وتفقد الذاكره وتحل الأربطة بين العالمين  وتنتهي العذابات . والانتزاع الموعود لكل المشاعر المزعجة ، انسدل جفناي وأطبقا على عيوني وما ان غفوت لبرهة وأوشكت على الاستسلام حتى ارتعدت مغارتي بأصوات مرتاديها، وأخذت صخورها تقطر ماءا باردا على رأسي ويداي، وتصيح بي لتستفيقي وتلملمي شتاتك وتختاري طريقك بالصعود او بالهبوط .فلا مكان هنا لغافل ،

صحوت ملئ عيوني ،وحملت حذائي الذي لم يبق معي شيئا دونه، وبدأت بالنزول مسترقه السمع لأطراف الأحاديث هنا وهناك، رد التحايا ، الإيماء لبعض التوصيات بالموافقه ، الامساك ببد من كاد أن يهوي من شدة ما أصبح ملمس الصخر زلقا وخطرا ، وهكذا ، حتى وصلت القاع حيث يقف الجميع على جسر ، وبصمت شبه مطبق  خشية الصدى الذي أوكلت اليه ترداد أي همس  فيفضح صاحبه ،يتأملون ساقيه ماء كتب بجانبها أنها كانت نهر الا أنهاتتعرض بشكل مستمر للجفاف . ابتلعت  ريقي الذي جف هو الأخر،وسرحت بطريق العودة وحالي المنهك ،واذ بشيء يعيد وعي إلي ،اتضح أنه مصعد كهربائي ، فابتهجت أساريري وأسرعت اليه كغزال يلحق بأمه ، وألقيت تحية الوداع للمغارة التي أدعت انها جنة .وصعدت للأعلى ولوحت شاكرة أيضا للمصعد الذي ظن نفسه هو الاخر براق أسطوري ، بحلته الشفافة وخفته اللطيفة . من ثم استأذنت التشويش برهة ،ومسحت كل ماعلق في رأسي من أفكار ،وانطلقت مسرعة  حيث الشمس الحارقة  ،الرؤوس النازفة عرق وضجر ،.الوجوه  المتعبة ،الطرق المزدحمه ،روائح الطعام …بائعي السمك ….البحر والمصطافين …..وسلال التين  التي تغمز لي …. فتشاركني نهاية رحلتي بطعمها الحلو الحقيقي .

About Abdulrahman AlRimawi

Check Also

في ضياع الطفولة يا أبي – ريما آل كلزلي

في ضياع الطفولة يا أبي ../ دمعة الأيام اغتالت بسمتي وأدمتني. طفلاً ../ غسلت الحروب أحلامي بعواصف الدموع، أنا الذي نذرتُ لعبي لأسوار الخوف ورمال القلق، أصبحتُ بعرائس السلام الباهتة غزلةَ أمنٍ لروحِ جيلٍ معطوبٍ ودون ملامح.

%d bloggers like this: