المجد لمن قال “لا” عندما قال الأخرون “نعم” – فاطمة جابر

المجد لمن قال “لا” عندما قال الأخرون “نعم”

المجد لمن قال "لا" عندما قال الأخرون "نعم" - فاطمة جابر

بقلم: فاطمة جابر

بعض الوفاء ل “رائد الاوسط ” ( نبيل ماضي )

—————————————————————-

كان اسم رائد يتردد أمامي كثيرا عندما كنت أذهب إلى طرابلس لبنان وكانت تروى لي القصص الجميلة عنه وعن خجله الشديد، تعرفت على الأخ رائد ” نبيل ماضي” بداية عام ١٩٨٤ لا أذكر تحديدا أين، إذا لم تخني الذاكرة قليلة الأصل والوفاء معي كان ذلك في منزل الشيخ علي “أبو فارس” أو منزل نجيب محسن “أبو شريف” كل من يعرف رائد شخصيا يعرف كم كان دمثا، شريفا، خجولا، معطاء، ووفيا وفيا وفيا جدا جدا لكل من عرفهم .

التقينا صدفة في صحنايا بعد ١٥ سنة شعر بالسعادة أنني جارته على بعد حارتين من منزله أكملنا الطريق لمنزلنا تحدثنا كثيرا كأننا بالامس فقط كنا معا

سألته عن اخته الهام فأجابني بسؤال قائلا:
– بتتذكري الطقم اللي اشتغلتيه هدية لابني لما خلق؟
– لا ما بتذكر، صار يذكرني “طقم كثير جميل، بنطلون وجاكيت و جوارب و كفوف وطاقية” ضحكت كتير قلتله شو ذكرك فيه بعد كل هالزمن و الله نسيانة يا رائد بتذكر أنه اجاك طفل وفرحنا لك يومها كثير ، كنت احب شغل الصوف ومن كثر ما اشتغلت لبعض الأصدقاء نسيانة لمين اشتغلت بس ليش عم تذكرني فيه هلئ ؟!
قال بفخر : لأنه البيبي صاحب هذا الطقم هو نفسى الشاب اللي شفتيه واقف عم يبيع بالمحل هلئ وبلش يحكيلي على اولاده وشو عم يدرسوا وبأي صف وأنه هذا المحل فتحه فقط من يومين محل أجبان والبان .
رائد إنسان شريف، عصامي، أكثرنا صمتا و أكثرنا نضالا ووطنية رغم تركه للتنظيمات لكنا تحدثنا طويلا وكثيرا عنها وعن خيباتنا فيها، رائد الفدائي المناضل الشريف المعروف (رائد الأوسط)المطلوب لفترة من الفترات بالاسم للعدو الصهيوني تحول إلى بائع أجبان وألبان في صحنايا .
لا و لن أنسى رائد ما حييت عندما تمت كتابة تقارير بي من بعض الأسماء المعروفة لأمن الدولة حضر رائد إلى المكتب ليقدم لي بحرص شديد من خلال خبرته الأمنية بعض النصائح الأخوية، و افترض بعض الأسئلة التي ستوجه لي وكيفية الاجابة عليها..!!
رائد الأصيل كان حزينا جدا مثل كل الشرفاء والمناضلين على ما وصلت إليه قضيتنا، حزين جدا على الوضع المأساوي والاقتصادي لبعض الأسرى السابقين كيف كانوا وما وصلوا إليه الأن .
تستطيع التعرف على رائد وتاريخه النضالي من خلال الأخرين، رائد لا يمكن أن يتكلم عن نفسه أبدا إلا نادرا و بخجل شديد .
العام الماضي كنا صباحا نشرب القهوة فاجئني عدنان قائلا:
– أنت بتعرفي أنه أبو وسام رائد توفى؟!..
– مين اللي توفى ؟!
– قال مؤكدا: نبيل ماضي توفى من شهر 17\2\2020
دخلت على النت وبدأت أبحث عن صحة الخبر،من شدة حزني عليه لم استطع حينها كتابة نعوة أو أي كلمة عنه.
رحل “رائد الأوسط” بصمت وهدوء كما عاش بصمت وهدوء، لم تنعه الحركة التي ناضل معظم سنين عمره في صفوفها من أجل تحرير فلسطين ، انحاز باكرا فيها للخط الثوري وتوج ذلك عام 1983 و لكنه عندما اكتشف الكذبة الكبرى لانشقاق فتح كمعظم المناضلين الحقيقين والغير مرتزقة ترك وانسحب بهدوء ليبقى نقيا، وفيا إلى فلسطين و وفيا إلى صديقه ورفيقه و معلمه القائد “ابو علي اياد” .
لم تذكره من تدعى بالحركات والتنظيمات الفلسطينية، تنكروا لتاريخه الحقيقي في النضال والعمل الفدائي لكنا جميعا سنذكره و ستذكره فلسطين و بيروت والجنوب اللبناني وشماله و مخيماته، سيذكره الكثير من الشرفاء .
حينما تتوفر مقومات الحياة لا داعي للموت .
رائد صنع مقومات الحياة لنفسه، رحل لكنه لم يمت في ضمير المناضلين والشرفاء .
تحية من القلب لتاريخه النضالي .
المجد لمن قال لا عندما قال الأخرون نعم .
المجد إلى روح رائد (نبيل الماضي )
المجد لمن قال "لا" عندما قال الأخرون "نعم" - فاطمة جابر

About Abdulrahman AlRimawi

Check Also

الإبداع مرآة النفس د. ميسون حنا

 الإبداع مرآة النفس عندما تعكس ما يمور بعقل المبدع من إرهاصات الواقع، ويتفاعل معها بأحاسيسه، ويثريها بفكره ومعرفته وثقافته، إنها بلسم الروح، ولكن عندما نشاهد على شاشاتنا ما يدور في غز ة العز ة

%d bloggers like this: