أرشيف حديث القصيد - فطنة

التحدي في “قصيدة” عناد للشاعرة دليلة حياوي/ د. فطنة بن ضالي

عناد

أو حسبت أنني ..

حين بالأشرعة ..

لويت..

عن مرافئ بلادي

قد طمرتني الوهاد بلحد ..

ربما ..

وسيجتني ..

بشوك قتاد

وما عادت العنقاء ..

القابعة بدواخلي ..

تحلق ..

من رماد

باسمي

في الغيب

مقرون اسمه

يا هذا ..

قبل الميلاد

وكذا غدا

يوم الحشر

سيناديه

بين يدي الرب..

المنادي

فاطعن كما تشاء

أوصالي ..

وقطع إربا

المشروخ فؤادي

الشعر سيظل

شافي بلسمي..

والنثر..

كالعادة ضمادي

ونبل مشاعري..

أسنى ..

من كفة دنيئة..

بوضيع

مزاد

عن ختم صكوك بيعاتها..

تأنف الريشات..

ومحابر المداد

نطفة أبن تاشفين أنا ..

برحم دامية..

ومعلمي..

ابن زياد

بشموخ السوس..

ماضية..

أقتفي خطى..

سامي

الأجداد

أنى وطئت..

أحفر في بالصخر..

قصبات نصر..

وخزائن عتاد

وكما لم تهنأ..

بانكسار نخيل كبريائي..

ساعة..

أو انقيادي

ولم ترق مرتبة..

بقلبي

كمن أسميهم..

 سادة أسيادي

فلن تر..

والشيب ينير مفرقي.. عدة مني .. قد تبكي عنادي.

تعد هذه القصيدة السابعة من حيث الترتيب في ديوان الشاعرة الأخير “حفيف الزعفران”، ولا يعدو الشعر إلا أن يكون رؤية للواقع خاصة بكل شاعر، ورؤيا للمستقبل تختلف من شاعر لآخر، ولذلك يختلف الشعراء في صور وأساليب  التعبير عن الحياة وعلاقات العناصر فيها، وهكذا تعبر قصيدة “عناد”  للشاعرة دليلة حياوي، عن رؤيتها الخاصة، إذ تشير في بداية القصيدة إلى هجرتها من بلدها المغرب إلى الديار الأوربية تقول:(حين بالأشرعة لويت عن مرافىء بلادي)، وحين هنا بمعنى “وقتَ” الدالة على الماضي، فالشاعرة مخضرمة حياتين؛ أولاهما بالمغرب والثانية بإيطاليا، وبالتالي فقد نهلت في تجربتها الشعرية من هذين الأصلين. وهي تعتز في القصيدة ببلدها وبانتمائها:  تقول : نطفة ابن تاشفين أنا/ برحم دامية / ومعلمي / ابن زياد / بشموخ السوس /ماضية / أقتفي خطى سامي الأجداد .

لقد بات حديث الشاعرة عن بلدها الأم وثيق الصلة بوجدانها بإحساساتها ، تفصح عن تعلقها به وبتاريخه ، وأمجاده ، معلنة عن هويتها الثقافية والفكرية، معتزة بها وهذا ما يطبع تجربتها الشعرية بحضور الوطن، في كل ديوان من دواوينها ، وهي هنا تشير إلى الأصل الأمازيغي الضارب بجذوره في عمق التاريخ كمكون أساسي من مكونات الهوية المغربية. وتزيد في وصف عزمها، وحفاظها على هويتها واستقلالها الذاتي : (أنني وطئت / أحفر بالصخر / قصبات نصر / وخزائنَ عتاد). يدل كل هذا على اعتزازها بكرامتها، و كرامة المرأة عموما، والمغربية خاصة. ولم يفتها في هذا السياق أن تبين علاقتها بابنها وتفتخر بأمومتها تقول : (باسمي/ في الغيب /مقرون اسمه /…/قبل الميلاد/ وكذا غذا / يوم الحشر/ سيناديه  /… المنادي ).

جردت الشاعرة من ذاتها مخاطَبا على عادة الشعراء خالقة حوارا ذاتيا: بينها وبين الآخر الذي قد يثبط العزم ، فخاطبه بجمل إنشائية : (فاطعن كما تشاء / أوصالي / وقطع إربا / المشروخ فؤادي) . حيث يخرج الأمر هنا إلى التهديد والتحدي ، فلن يجدي ذلك شيئا، مادامت الشاعرة قد خطت لنفسها طريقا، عبرت عنه : العنقاء../ القابعة بدواخلي / تحلق من رماد. متخذة الأدب وفنونه وسيلة تعبيرية تجابه بها ظلم ومعاناة بعض أفكار المجتمع المقيدة للمرأة ولحريتها ، وذلك في شعرها وفي نثرها محيلة على إبداعها وما راكمته من تجارب في المجال .تقول :  

(الشعر سيظل / شافي بلسمي / والنثر ../ كالعادة  ضمادي ).

ويبدو صوت الشاعرة واضحا مهيمنا على النص يشد أوصاله ، متمثلا في ضمير المتكلم : (إني ، بلادي ، أوصالي ، دواخلي ، فؤادي )، وقد صدرت القصيدة باستفهام استنكاري ( أو حسبت أني )، نفيا منها لأي ظن في التراجع والانكسار والذي أتبثه بقولها (كما لم تهنأ بانكسار نخيل كبريائي)،  وتوالت الجمل الخبرية واصفة الحال و الترحال بأفعال ماضية تجاوزتها إلى أفعال مضارعة دالة على ما سيكون في المستقبل (أحفر ، اقتفي )، وكَنّت عن الرحلة بقولها (لويت بالأشرعة) وعن حزنها ( سيجتني بشوك قتادي ) ووظفت التشبيه والمجاز و الاستعارة  لتوضيح المعاني، وتعميقها، مثل: التشبيه (كما لم تهنأ) والاستعارة في  قوليها :(الشعر شافي بلسمي ) و(الشيب ينير مفرقي ) حيث تُعمق الصور المعنى في ذهن المتلقي.  

هكذا يظل النص “عناد” نصا يدل على صوت الشاعرة الرافض لكل ما يقيد الحرية ، والرافض لمظاهر التخلف أيا كانت، فكان بهذا المعنى تحديا ثقافيا حضاريا .

    وبهذا فالشاعرة تنسج  قصائدها بأسلوب يميز ملامحها ، وصفاتها ، ويكسبها شخصية لا تختلط بشخصية قصائد أخرى لشاعر آخر، و يسكنها الوطن الرمزي بشكل أو بآخر، أينما حلت وارتحلت، وهذا ما عبرت عنه إبان انتقالها من وطنها إلى عالم وطن آخر مغاير، فكانت هذه القصيدة تجربة تحد واعية .

 

 

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

قراءة لقصيدة الحج لغزة للشاعر ماجد النصيرات – زكية خيرهم

لحج لغزة هذا العام يكفيكَ نصراً إذْ وقفتَ شُجاعا و ركبتَ موتاً للحياةِ شِراعا يكفيكَ نصراً في السمُوِّ مهابةً و بكَ الرجالُ سيقتدونَ تباعا

%d bloggers like this: