مسنجر .. سمر الزعبي

يوميَّاتُها حافلة، الطلاَّبُ يحيطونَها محبةً، يرفرفون حولَها، ويزفُّها بعضُهم من محاضرةٍ إلى أخرى، كم تحتاج لوقت مستقطع، كي تتزوَّد طاقةً، لكنها لا تنهرُ أحداً، يسعدها احتفاؤُهم بها، فيشاركونها فنجانَ “النسكافيه” في المكتب حتى تغادر، مما يثير غيرة الزملاء، التي تصطدم بجدارٍ من احترامٍ لشخصها الوقور، فلا تتخطَّاهُ.. وقلبُها يتَّسع لهم جميعاً.

حضورُها مميّزٌ في المؤتمرات والندوات، مما يخوِّلها أن تظلَّ المرشحةَ الأولى عن القسم، وأكثرَ الأساتذة تلبيةً لدعوات الجامعات خارج البلاد.

في حِلِّها وترحالها ابتسامةٌ لا تنضب، جميعُهم يحبُّون شهيرة، يحبون الأستاذةَ، ويقدِّرون الانسانةَ فيها، الذكيَّة الطيِّبة الحنونة.. لكن عن أنوثتها يتغاضون.

تفلتُ منها النظراتُ غير مدركةٍ، وتكاد تفضحها عيناها، تنطفان حباً حينما يقترب ذك الزَّميل، وتطفو الغيرةُ عليهما كلَّما تجمَّعت الطالباتُ حولَه.

 تتحسَّس جسدها الطَّريَّ أمام المرآة كلَّ ليلة، تتخيّلُه معها، وفستانٌ حريري قاني يمتطي صهوةَ الحلم، ثمَّ تئدُ فتنةُ الجسدِ نفسَها على خارطة الوجه، تتأمَّلُه؛ عينان ضيِّقتان، أنفٌ مفلطحُ كبير، شفتان ضامرتان.. جبهة عريضة، وبشرةٌ غير متجانسةٍ واضحةَ المسامات، فتفقد الثقةَ بنفسها، وتشعر أنها لا تملك ما يغريه، فلا تنسجم معه حتى في حلم.

تتذكَّر الطالباتِ، ممشوقاتِ القوام، المعصورات ببنطال “الجينز”، ووجوههنَّ الفتيَّة النَّضِرة، فتصيبها نوبةُ حنق، وتلقي ما على طاولة المرآة من أدوات تجميل، تكسِّر زجاجات العطور، ثمَّ تعود تتأمل الوجهَ، كأنه لافتةٌ تمنع المرور، لكنَّ أصابعها تمرُّ عليه، تتفقده، وترسم مخطَّطاً لأكثر من عملية تجميل.

تشكو الحالَ إلى صاحبتها إن اختلَّ توازنُها، تسرد حكاياتها المبتورة مع الجنس الآخر، وتذكر دائماً في ختام حديثها أنها اعتادت عدم التفاتهم إليها، فتصالحت مع نفسها، ولم تعد تفكِّر بشريك منذ زمن بعيد.

    تشاركها بحثَ الحلول، وتنصحها بإلحاحٍ أن تعترفَ له، ومع مرور وقتٍ قضته قيدَ عذاب، اقتنعت، لكن خشيت المواجهةَ، ولم تنجح صاحبتُها في رفع معنوياتها، أو تعزيز ثقتها بنفسها، فاقترحت عليها أن تبعث له رسالةً، تماهي بها الدَّارج.

راقت لها الفكرةُ، وعكفت تكتب وتشطب، تعيد صياغة الجمل، تبحث عن تعبيرٍ يقارب حبها وصفاً، ثمَّ صفَّت خطوطَ القلب على شاشة “الكمبيوتر”، وبعثتها إليه عن طريق “المسنجر”.

انتظرت ردَّه، تثق به، فهو يحترمها، وسيحترم مشاعرَها، أستاذٌ جامعي كمثله لن يتصرَّفَ تصرُّفاً غير أخلاقي.. هكذا طمأنت نفسَها، أمَّا عدمُ وقوعه في حبِّها، لا يشكِّكها بأمره سوى تعلُّقها هي.

بعد بضعة أيام، بدت الجامعةُ مختلفةً، والزملاءُ كذلك، الأدراجُ والممرات ملآ بمن يتهامسون، يتحلَّقون حول الهواتف، يطلقون التعليقات، ولا يضحكون إلَّا في تهافت، وحينما تقتربُ يسكتون.

أمَّا في المحاضرة.. الطلاَّب لا يستمعون كالعادة، نظراتهم غريبة، لمحت في ابتساماتهم أسراراً، وفي ردود أفعالهم ألغازاً، لم يتسنَّ لها فكّها، إذ جاءها اتِّصالٌ من مكتب العميد، غادرت من فورِها إليه.

المزيد من اعمالها 

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

ستنجلي الغيوم – مها حيدر

لم يكن مفاجئًا ، صوت الانفجار ولا الدخان ولا منظر سقوط الأبنية ، كان أبي يحضن اختي الصغيرة ذات العامين ودموعه تتساقط على لحيته وقد بللت ثيابه ، الخوف في عينيه على اخوتي بعد أن فقدنا امي قبل يومين أثناء سقوط الدار على رؤسنا بعد قصف شديد أحرق الأخضر واليابس ..

%d bloggers like this: