قراءة نقدية لقصيدة سميراميس للشاعر فارس الهيتي بقلم: د. حسان الشناوي

توطئة:
عبر الشاعر حواجز التاريخ ليقف أمام (سميرأميس) مسقطا مشاعره المتعلقة بوطنه العراق العظيم على واقعه الذي يبدو من خلال التجربة أنه عاناه نصف قرن أو يزيد.
و(سمير أميس) أو (سميراميس) من الأساطير التي تتداخل فيها رؤى المؤرخين بين كونها خارجة من رحم الأساطير وكونها شخصية تاريخية تنتمي إلى الحضارة الآشورية بما فيها من قدرة على الجمع بين الصفاء الروحي والقوة البدنية لا سيما في خوض الحروب، وتأسيس الممالك.
تمتعت (سميرا اميس) بجمال خلاب، وذكاء متقد، وفهم عميق لأمور الحياة في جوانبها الاجتماعية والفكرية والدينية، وكان لها دور مؤثر في تخفيف حدة التعلق بالفحولة التي كان يمثلها الإله (آشور)، وأبزرت أدوار بعض الآلهة الثانوية بعد أن كادت تنطمس، كأنما كانت نشأتها الجنوبية دافعا لها أن تنشر رقة وضح تأثيرها في مملكتها التي يختلف المؤرخون في مدة حكمها لها سواء أمع زوجها (شمسو حدد الخامس) (823-811 ق.م)، أم مع ابنها (حدد نيراني) (811-783 ق م).

تمكن الشاعر بعد اختزانه ما يدركه عن (سمير اميس) من منطقة تجربته بمنطق الشاعرية الواقعية، ولولا عنوان القصيدة لصحت التأويلات أن هذه الدرة الشعرية من الشعر الوطني المعاصر الذي يمتح من معاناة الشاعر وغربته وحنينه والتياعه.
وإنها لكذلك في تقديرنا المتواضع؛ إذ فيها من الجدة والطرافة، والقدرة التصويرية لما في النفس من تعلق بالوطن ما يؤهل شاعرنا لأن يتبوأ إحدى قمم الإبداع الشعري العربي الأصيل.

من المتفق عليه في درس الأدب: تحليلا ونقدا، وتناولا ومعالجة أن أغراض الشعر العربي لا تكاد تخرج عن مجموعة من المحاور يدور الشاعر حول أحد منها أو حول بعضها حين تتعدد الأغراض في القصيدة الواحدة، منطلقا من ذاته في التعبير عن فكرته العامة وما يتفرع عليها من أفكار كلية أو جزئية؛ وهي في ذلك يتكئ على خياله وشعوره كأنما كل منهما جناح يحفظ توازنه وهو يحلق في فضاء يلتقط منه ما يتغنى به من معان ترفدها المفردات والتعابير بخصوصية يتمايز فيها الشعراء تمايزا يمكن المتلقي أن يقترب من معرفة بعض ملامح البصمة الشعرية تعبيرا وتصويرا.


وتكاد محاور الفخر، والمدح، والغزل، والوصف تستقطب تجارب الشعر في القديم والحديث، وتندس بين هذه المحاور محاور فرعية كالشكوى، والحنين، والاغتراب، وما يتصل بها من حديث عن الشوق اللهيف، والرغبة العارمة في العودة إلى ملاعب الصبا؛ حيث الوطن الذي يحمله أبناؤه بين حناياهم.

في ضوء هذه الأسطر نحاول مواجهة نص شاعري يتسم بما يمكن وصفه نقديا إذا جاز لنا هذا الأمر بأنه من النصوص التي تحتضن أكثر من غرض شعري في وقت واحد من ناحية، وأن فيه من جدة التناول مقدرة صاحبه على أن يكون هو الوطن نفسه وليس فحسب واحدا من أبنائه.


وبداية النص تنم عن وفاء صدوق في حب الوطن، وهو وفاء يجعلنا نقرر أن الشاعر استطاع بتلقائية تحقيق ما قرره سدنة النقد العربي؛ ونعني بذلك أن التهالك في الصبابة إحدى المزايا التي ينفرد بها الغزل، حين يعلن المحب استسلامه التام لمحبوبه، راضيا منه أن يفعل به ما يشاء لا ضعفا ولا خوفا، بل ثقة في أن هذا المحبوب لن يخذله، ولن يكون إلا شفوقا عليه رفيقا به.
فهل تغزل الشاعر في وطنه؟

والجواب الذي ينطق به المطلع أن نعم. وإنه لغزل الصب المدنف والعاشق المتدله الذي يطلب إلى محبوبه أن يداويه من أوجاعه المضنية، ويلأم جروحه الناغرة، ويرفو الرقع التي اتسعت بالاغتراب.
ولا يكتفي الشاعر بهذا بل يمعن في الطلب أن تكون هدهدة القلق المحير، مقرونة بالبحث عنه بعد أن أصبح أشلاء ممزعة.
ويصل إلى قمة الاستسلام بقوله: ” خذي ودعي” ليس لجعل الطباق لونا بديعيا فحسبُ على الرغم من أن الفكرة اصطبغت به اصطباغا طبعيا؛ إنما أيضا ليؤكد طمأنينته إلى أن دواءه ليس عند غير محبوبه. وكأني بالشاعر يدعم ما يتداوله بعض المتصوفة من حتمية الاستسلام رغبة في الثبات على الصراط بقولهم: ” كن بين يدي شيخك كالميت بين يدي مغسله”،

بيد أن الشاعر ينفرد بخصوصية كونه مستسلما قادرا على سوق الحجج التي دفعته إلى التسليم التام لمحبوبه؛ لهذا جاء رجاؤه الحار أن تبقي المحبوبة على قلبه؛ فما زال فيه النبض خفاقا بالشوق، وما زال الشغاف أنينا يضج لها بالحنين؛ فلترهف السمع لما في هذا القلب من حب يزيده الوجد اضطراما.

ومن الاستسلام الواعي ينطلق الشاعر إلى سوق ما حل به جراء غربته عن محبوبته، وإنها لغربة نبت فيها الخوف المجنون المتراكم مع تتابع الأيام والأعوام، ويصحب الخوف عناء مرهق، وآلام مبرحة كابر الشاعر كثيرا في تحملها والاصطبار عليها حتى كاد فضاء روحه يضيق بقدرته على التجلد وهو يصارع بأشواقه نحو محبوبته جزرا امتد نصف قرن وهي مدة زمنية تكفي لأن يخبو فيها لهب الشوق، أو تهمد جذوة الالتياع، ولكن الشاعر لا يلقي بالا إلى كل هذا لأن اتقاد الشوق يزيد حنينه ويجدد لديه الأمل في أن يرتمي في حضنها؛ لهذا يجعل من انتظاره مرفأ يترقب منه اندفاع مدها ليلتقيها، وهل عاق البحر الموار بأمواجه المتلاطمة يوما محبا أن يلقى محبوبه؟

إن إصرار الشاعر على اللقاء يزيد إلحاحه بأن تطوي البحر وتفرد شراعها بعد ما هبت رياح البعد كأنما تحملها إليه وهو يحلق مرتقبا لحظة الوصول؛ تلك اللحظة التي تختلط فيها الدموع بفيض الروح وهي تبحث عن مأواها لدى تلك المحبوبة، أفلا دمعها فيضا يعيد إليه حياته؟
إن الشاعر في هذا المقطع الثاني يبرهن على صورة نادرة من حب الوطن؛ في انتظاره المحفوف بالخوف والشوق والأحزان والآلام، أن يضمه وطنه ضمة الأم الرؤوم.
وقد يتساءل المتلقي: لما لم يقم الشاعر بتحدي البحر وما فيه من تلاطم أمواج، ومد وجزر، وعواصف وليل، وآثر أن يقوم الوطن بهذا كله؟ أذلك عجز منه عن المحاولة؟ أم صورة من التدلل؟ ونحسب أن لا هذا ولا ذاك، مرجحين تعمد الشاعر هذا النهج لأن الوطن على الرغم من حملنا إياه بين جوانحنا يبقى بيده القدرة على ضم أبنائه إليه، ومد جسوره لعودتهم إلى أحضانه، ولثم ترابه، والانطلاق في ربوعه.

ألم يقل شاعرنا العربي القديم عن الوطن:
لقد ألفته النفس حتى كأنه
لها جسد إن بان غودر هالكا

ومن ثم لا نرى الشاعر عاجزا عن المحاولة ولا مدلا على وطنه؛ بل يلتحم التعبير والتصوير عنده في نسيج من التعلق بالوطن لحمته العشق المتجدد وسداه الوفاء الذي يجعل من الاستسلام بين يدي الوطن صورة من التعلق حبذا لو انتشرت ملامحها بين من يتغنون بالأوطان اعتزازا، ويترنمون لها اشتياقا.
ويصور الشاعر وطنه بحرا زاخرا يبحث فيه الشاعر عن مكانه، متحملا في سبيل ذلك عتو الموج وطغيانه، حتى إن الموج ليصل الشاعر بسببه إلى أعماق هذا البحر عساه أن يظفر ببعض ما فيه من لآلئ تتطلب صبر الغواص، وإصراره على الوصول.

ويمعن الشعر في تأمل محبوبته فلا يكتفي بأن يراها بحرا تضربه أمواجه إلى الأعماق، فيبحث عن حظه ولآلئه فحسب؛ بل يراها الشمس، تتبعها البحار وترتقي إليها أنغام الحب، وتدور المجرات في فلكها؛ ويزداد إمعانه في الإلحاح عليها أن تبقى على التماعها المشرق المورق؛ فأشعتها تملأ الكون كله من أقصاه إلى أقصاه.

ولأن الشاعر عاشق متبول، ركب متون بحور الشعر، وامتطى أمواجها؛ يزرعها أشواقا خفاقة بالحنين؛ متسائلا في لهفة المنتظر هل أزهر الشوق في ربوع محبوبته الوطن، وهو يروي أشواقه ولعا متقدا بحبها؟ ويترك الشاعر متلقيه باحثا عن الجواب الشافي؛ وهو يبرز كل وسيلة ممكنة لعناق أرض الوطن، وهي وسائل لا تكشف عن مقدرة الشاعر في التفكير بالصور الشاعرية فحسب، بل تبرهن ‘لى أن من كانت له حاجة ملحة فليحتل من أجل الظفر بها وليست الحيلة التي يلجأ إليها المحب مظهر خداع بقدر ما هي دليل صدق التعلق؛ فقد صير الشاعر كل حرف من حروفه التي يتغنى فيها بمحبوبته الوطن أمانيَّ جعلها كلا منها حبالة صياد صبور؛ ضارعا إلى السماء – وهو المحب العاشق – أن تقع في شركه، وولى وجهه وقلبه شطرها موشكا أن يوديع الأحزان، ونازفا همه المقيم في كل شأن من شؤونه، حتى إن صلاته لم تسلم من هذا الهم فملأها ركوعا وسجودا بنزف الهم الذي أحدث حفرا في مواضع سجوده لم تكن بمنأى عن نزفه.

ولكن هذا كله لم يكن غير سبيل لعين اليقين بأن المحبوبة الوطن تمتلك عليه أقطار نفسه؛ فهي نبض قلبه، وأنفاس رئتيه، وخفق ضلوعه، وإنه ليلوم قلبه بلهجة المعنف كيف لم يعلن الطاعة المطلقة لما تبتغيه منه محبوبته!!
وليس هذا بكاف في التدليل على تعلق الشاعر بمحبوبته بل يجنح إلى ما يمكن وصفه بالأنانية التي تستحق الثناء والتقدير، كأنما يحمل الشاعر دعوة إلى أن يتسم حب الوطن بتلك الأنانية؛ إعلاء لشأنه وحفاظا عليه، وتفانيا في تقديم كل ما من شأنه أن تكون الحياة فيها كأنها العيش في جنة الخلد؛ ذلك لأن الوطن في قلب أبنائه لا يفارقهم مع شساعة المسافة واتساع البعد عنه.
ومن جمال الاستفهام في قول الشاعر:
من قال إنك رغم البعد لست معي؟
أنه لا يكتفي بكونه نفيا صريحا لبعد الوطن عنه وتأكيدا قاطعا بأن الأوفياء من أبناء الوطن يحملونه بين ضلوعهم، بل يضيف ما لا يكاد يخرج عن نطاق الإجماع في نحو قول شوقي:
شهد الله لم يغب عن جفوني
شخصه ساعة ولم يخل حسي
.

ولو أن الشاعر ختم قصيدته بالاستفهام السابق لأطلق العنان لتآويل يمكن أن تتشعب من الإجابة عنه، بيد أنه جعل الاستفهام بداية لنهاية عينيته الرائقة، كأنما استشعر بما لديه من حس وطني أصيل أن المتلقي سيواجهه بالاستفسار عن كنه هذه المحبوبة التي يجد في الاستسلام لها وفاء يجدد الأمل وصبابة يشعلها الوجد فكان أن أعلن عن حقيقته وحقيقتها معا؛ فهو الوطن كله وليس فردا من أبنائه، وهي الحب الجامع المتفجر في ربوع هذا العراق العظيم، وإذا كان هو الوطن بكل ما فيه من أطياف فإنها بغداد: موطن المجد، ومنارة العز العربي الذي ما زالت أضواؤه ساطعة بتاريخها الأغر.
بغداد التي تجري فيها عينان نضاختان بالعطاء والتجدد، بغداد الفرات ودجلة؛ حيث تعود إليهما نفوس المشتاقين فتروي حنينها، وتبل صداها.

وإن الشاعر ليتنشق أريج وطنه في كل زهرة من زهور الأرض؛ ويبصر فتنة الدنيا في جمال النساء فيرى بغداد أجملهن بل يراها قد جمعت الجمال من أطرافه فصهرت جمالهن في بوتقتها؛ فلا مفر من اللقاء ولا معدى عن الاجتماع بهذه المحبوبة الوطن الذي لا يفارقه.

وفي البيتين الأخيرين من القصيدة دلائل الفخر والاعتزاز بالوطن حتى إن الشاعر يعد نفسه الوطن بكل ما فيه ومن فيه ” أنا العراق” وهذه الجملة تندغم فيها مكونات المجتمع العراقي بأعراقها فلا نستطيع من خلالها التفرقة بين طوائفه ولا التمييز بين فئاته؛ إنهم جميعا العراق ولا شيء غيره، وهنا تبدو قيمة من قيم الحق والخير في تبصير أبناء الوطن الواحد بأنهم جميعا يتنفسونه ويحيا في حناياهم بدرجة واحدة لا يختلف فيها أحدهم عن الآخرن. ولئن حكمت الغربة ببعد المسافة إن عطر الوطن ليتنشقه أبناؤه في زهور الأرض أينما كانوا وحيثما حلوا.

على أن في خاتمة القصيدة عودا غير مباشر إلى بدايتها، فبين الأمر في “مدي” والأمر في “فاجتمعي” خطوط تصل الوطن بأبنائه، وخيوط تنسج من حبهم له وتعلقهم بترابه سرابيل تقيهم حر الاغتراب وقيظ البعد؛ كأنما في مد الوطن يده جسورا ليجتمع فيه أبناؤه، أو ليجتمع هو بهم مهما طال زمن الاغتراب.
صب الشاعر تجربته في قالب البسيط التام، وهو وزن يوائم إلى حد كبير التجارب الوجدانية المفعمة بالأسى، المترعة بآلام الغربة وعذابات الشوق، وواته لغة تتسم مفرداتها بالسلاسة حينا والقوة حينا آخر، مشكلة تعابير نمامة عن مقدرة فنية في مهارة الصياغة الشعرية الآسرة المنبثقة من شعور لا يكاد الخيال الرفراف يفارقه؛ ولنتأمل قوله على سبيل المثال:
إقتباس:

إني أتيتُ بحور الشعر أزرعها

شوقًا إليكِ فَهلْ أَزهَرتِ مِنْ وَلَعي؟

نصَبتُ في كلّ حرفٍ فَخَ أمنية

إنّي دعوتُ بروض العشق أنْ تقعي

يَمّمتُ نَحوك أَحزَانًا أُودعُهَا

صَلّيتُ حتى نَزفتُ الهمّ في الركع

لنجد أن المفردات تعاونت في بناء تراكيب تقوم على طرافة التصوير من ناحية وطزاجة الشعور المفعم أسى وحنينا من ناحية أخرى.
وانظر مثلا قوله:
إني أتيتُ بحور الشعر أزرعها
شوقًا إليكِ فَهلْ أَزهَرتِ مِنْ وَلَعي؟
زراعة البحور صورة فيها من الجدة ما ينم عن عمق خيال الشاعر، ومن الطرافة ما يكشف عن إدراكه لما يناسب الزراعة في البحور، وهو الشوق الجارف، ويوميء الالتفات في أزهرت إلى أن المقصود عند الشاعر من يخاطب وليس البحور التي زرعها، كأنما هي البستان اليانع يروويه حنينه بحورا متدفقة.
أو قوله:
إقتباس:

يَمّمتُ نَحوك أَحزَانًا أُودعُهَا

صَلّيتُ حتى نَزفتُ الهمّ في الركع

نزف الهم تصوير نمام عما وصل إليه الشاعر من تعلق بوطنه؛ فلا يفتأ الهم ملازما له حتى في صلاته، والركع تحتمل أن تكون مصدرا من ركع يركع ركعا وركوعا، وفتح الكاف تقبلها ضرورة الشعر لاستقامة الوزن، وقد تكون جمع رُكعة وهي الهوة في الأرض، وثَمَّ يكون نزف الهم متدفقا حتى يكاد يملأ الحفر التي يحدثها الساجد من شدة التصاق جبهته وبقية أعضاء السجود بالأرض

وتومئ القافية برويها إلى أن الشاعر يتنزى ألما ويقطر حزنا من أجل لقاء محبوبته الوطن، فالعين مكسورةً تكشف عن حزن دفين بما فيها من علاقة بمخرجها وهو الحلق، حتى ليوشك إشباعها في الإلقاء أن يتحول فيضا متدفقا لا يتوقف من الدموع شوقا وحنينا وأسى وأنينا.

ملاحظات عوابر:

وهَدهدي قَلِقًا قد عافَ مضجعَهُ
تلمّسي بين أشلائي خُذي وَدَعي
(تلمس غالبا ما يستعمل متعديا، وتقدير المفعول به هنا بناء على السياق والشعور معا يجعل منه محلا لصحة التأويل؛ فقد يكون المقصود: تلمسيني، أو: تلمسيه أي القلب، أو تلمسي مضجعه، وكلٌّ لا يضيف إلى التعبير ثراء في التفاعل معه فحسب؛ بل ربما يكون زاوية من زوايا التفتيش عما في حنايا الشاعر وهو يبدي استسلاما تاما حيال محبوبته التي أتاح لها أن تفعل ما تشاء ما دام الأمر مرتبطا بالعودة إليها)

كأنك البحرَ والأمواجُ تَضربني
(فإنكِ البحر… ليس حرصا على تجريد التشبيه من الوجه والأداة ليزداد سطوعا بالمشبه والمشبه به فحسب؛ وإنما نرى أن الاتكاء في التشبيه على كأن في سياق يتفجر حنينا واحتياجا قد تقلل من توهجه إحدى أخوات إن على الرغم من كونها الأداة المتربعة على قمة التشبيه من حيث عقد الآصرة بين الوجهين من ناحية، وقدرتها على جذب المتلقي من ناحية أخرى كأنما فيها مغنطة وجدانية نابعة من اندماج طرفي التشبيه عبرها حتى ليكاد المتلقي يعتريه الشك في أن لا فرق بين الطرفين في وجه الشبه؛ بيد أن مسار الوجدان هنا يوشك أن يأباها مؤثرا بقاء الطرفين بلا أداة ولا وجه كأنهما استعارة على نحو ما ذهب إلى ذلك بعض البلاغيين وليس المقام هنا مناسبا للتفصيل، بل ما نود بيانه أن التصوير بالتشبيه هنا جدير أن يكتفى فيه بطرفيه.)

نصَبتُ في كلّ حرفٍ فَخَ أمنية

إنّي دعوتُ بروض العشق أنْ تقعي

(وقد دعوت… فواو الحال السابقة حرف التحقيق تمثل جزءا من الصورة النفسية التي برع الشاعر في رسمها، أما إن فتحدث ما يشبه التوقف المفاجئ في متابعة ملامح الصورة، وتطفئ بعضا من توهجها الآسر.)

About سفانة بنت ابن الشاطئ

Check Also

قراءة لقصيدة الحج لغزة للشاعر ماجد النصيرات – زكية خيرهم

لحج لغزة هذا العام يكفيكَ نصراً إذْ وقفتَ شُجاعا و ركبتَ موتاً للحياةِ شِراعا يكفيكَ نصراً في السمُوِّ مهابةً و بكَ الرجالُ سيقتدونَ تباعا

%d bloggers like this: