عبدين حكما مصر / عبدالرحمن الريماوي

لا عجب حين يشاء الله من نفاذ أمره عبر تهيئةٍ للاسباب التى توصل الى تحقيق المراد، وقد علمنا من التاريخ انه كان هناك طفل حاك له اخوته حتى لا يعلو عليهم مكانة ، فكادوا له ، ورموه في الجب فالتقطتة قافلة فبيع عبدا في مصر ، ذكائة وفطنته وحسن خلقه صفات اعجبت مولاه حتى انه عهد الية الكثير من المهام ، حتى صار عزيز مصر ، انه نبي الله يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم عليهم جميعا سلام الله الذي اشرف بنفسه على شؤون الناس والبلاد وكلنا يعرف القصة الكاملة التى مرّبها نبي الله يوسف

اما العبد الثاني فهو الذي قال فيه المتنبي مادحا

تَرَعْرَعَ الْمَلِكُ الأَسْــــتَاذُ مُكْتَهِلاً 

قَبْلَ اكْتِهَالٍ أَدِيبًا قَبْلَ تَأْدِيبِ


مُجَرَّبًا فَهَمًا مِـــــنْ قَــــبْلِ تَجْرِبَةٍ 

مُهَذَّبًا كَرَمًا مِـــنْ غَيْرِ تَهْذِيبِ


حَتَّى أَصَابَ مِنَ الدُّنيَــا نِهَايَتَهَا 

وَهَمُّهُ فِي ابْتِدَاءَاتٍ وَتَشْبِيبِ


يُدَبِّرُ الْمُلْكَ مِنْ مِصْرٍ إِلَى عَـــــــدَنٍ 

إِلَى العِرَاقِ فَأَرْضِ الرُّومِ فَالنُّوبِ


يُصَرِّفُ الْأَمْرَ فَيهَا طِينُ خَاتمِهِ

وَلَوْ تَطَلَّسَ مِنْهُ كُلُّ مَكْتُوبِ


إِذَا غَزَتْهُ أَعَــــادِيهِ بِمَـــــــــــسْأَلَةٍ 

فَقَدْ غَــــزَتْهُ بِجَيْشٍ غَيْرِ مَغْلُوبِ


أَوْ حَارَبَتْهُ فَمَا تَنْجُو بِتَقْدِمَةٍ

مِمَّا أَرَادَ وَلاَ تَنْجُو بِتَجْبِيبِ


أَضْرَتْ شَجَاعَتُهُ أَقْصَى كَتَائِبِــهِ 

إِلَى الحِمَامِ فَمَا مَوْتٌ بِمَرْهُوبِ

وقال ايضا  فيه قادحا :

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ           

بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ


أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ           

 فَلَيتَ دونَكَ بيدًا دونَها بيدُ


لَولا العُلا لَم تَجُب بي ما أَجوبُ بِها

  وَجناءُ حَرفٌ وَلا جَرداءُ قَيدودُ

وَكانَ أَطيَبَ مِن سَيفي مُضاجَعَةً 

  أَشباهُ رَونَقِهِ الغيدُ الأَماليدُ


لَم يَترُكِ الدَهرُ مِن قَلبي وَلا كَبِدي 

شَيئًا تُتَيِّمُهُ عَينٌ وَلا جِيدُ


يا ساقِيَيَّ أَخَمرٌ في كُؤوسِكُما 

  أَم في كُؤوسِكُما هَمٌّ وَتَسهيدُ


أَصَخرَةٌ أَنا مالي لا تُحَرِّكُني       

  هَذي المُدامُ وَلا هَذي الأَغاريدُ


إِذا أَرَدتُ كُمَيتَ اللَونِ صافِيَةً       

 وَجَدتُها وَحَبيبُ النَفسِ مَفقودُ


ماذا لَقيتُ مِنَ الدُنيا وَأَعجَبُهُا     

 أنّي بِما أَنا باكٍ مِنهُ مَحسودُ


أَمسَيتُ أَروَحَ مُثرٍ خازِنًا وَيَدًا       

أَنا الغَنِيُّ وَأَموالي المَواعيدُ


إِنّي نَزَلتُ بِكَذّابينَ ضَيفُهُمُ         

 عَنِ القِرى وَعَنِ التَرحالِ مَحدودُ


جودُ الرِجالِ مِنَ الأَيدي وَجودُهُمُ 

  مِنَ اللِسانِ فَلا كانوا وَلا الجودُ


ما يَقبِضُ المَوتُ نَفسًا مِن نُفوسِهِمُ

  إِلّا وَفي يَدِهِ مِن نَتنِها عودُ


مِن كُلِّ رِخوِ وِكاءِ البَطنِ مُنفَتِقٍ   

 لا في الرِجالِ وَلا النِسوانِ مَعدودُ


أَكُلَّما اغتالَ عَبدُ السوءِ سَيِّدَهُ       

أَو خانَهُ فَلَهُ في مِصرَ تَمهيدُ


صارَ الخَصِيُّ إِمامَ الآبِقينَ بِها     

فَالحُرُّ مُستَعبَدٌ وَالعَبدُ مَعبودُ


نامَت نَواطيرُ مِصرٍ عَن ثَعالِبِها     

فَقَد بَشِمنَ وَما تَفنى العَناقيدُ


العَبدُ لَيسَ لِحُرٍّ صالِحٍ بِأَخٍ     

 لَو أَنَّهُ في ثِيابِ الحُرِّ مَولودُ


لا تَشتَرِ العَبدَ إِلّا وَالعَصا مَعَهُ       

  إِنَّ العَبيدَ لَأَنجاسٌ مَناكيدُ


ما كُنتُ أَحسَبُني أبقى إِلى زَمَنٍ 

 يُسيءُ بي فيهِ كَلبٌ وَهوَ مَحمودُ


وَلا تَوَهَّمتُ أَنَّ الناسَ قَد فُقِدوا   

وَأَنَّ مِثلَ أَبي البَيضاءِ مَوجودُ


وَأَنَّ ذا الأَسوَدَ المَثقوبَ مِشفَرُهُ   

تُطيعُهُ ذي العَضاريطُ الرَعاديدُ


جَوعانُ يَأكُلُ مِن زادي وَيُمسِكُني

لِكَي يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقصودُ


إِنَّ امرأً أَمَةٌ حُبلى تُدَبِّرُهُ             

لَمُستَضامٌ سَخينُ العَينِ مَفؤودُ


وَيلُمِّها خُطَّةً وَيلُمِّ قابِلِها       

  لِمِثلِها خُلِقَ المَهرِيَّةُ القُودُ


وَعِندَها لَذَّ طَعمَ المَوتِ شارِبُهُ   

إِنَّ المَنِيَّةَ عِندَ الذُلِّ قِنديدُ


مَن عَلَّمَ الأَسوَدَ المَخصِيَّ مَكرُمَةً 

  أَقَومُهُ البيضُ أَم آبائُهُ الصيدُ


أَم أُذنُهُ في يَدِ النَخّاسِ دامِيَةً     

 أَم قَدرُهُ وَهوَ بِالفَلسَينِ مَردودُ


أَولى اللِئامِ كُوَيفيرٌ بِمَعذِرَةٍ       

  في كُلِّ لُؤمٍ وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ


وَذاكَ أَنَّ الفُحولَ البيضَ عاجِزَةٌ     

 عَنِ الجَميلِ فَكَيفَ الخِصيَةُ السودُ

أنه

أبو المسك كافور الإخشيدي، كان عبدا من الحبشة ومن طبع الولاة اخصاء العبيد فكان خصي أمّي افريقي التفاصيل ، بيع في مصر، اشتراه تاجر زيت ، ثم اشتراه صديق لمحمد بن طفج الاخشيدي وهو محمود بن وهب بن عباس ،حيث علّمه القراءة والكتابة. وقد اشتراه في عام 923 محمد بن طغج مؤسس الأسرة الإخشيدية والذي اعجب به و بأخلاقه و امانته ، فقلدة المناصب ، فاصبح قائدا للجيش ، كان لبقا احبه الناس والحاشية ، بعد موت الحاكم محمد الاخشيدي ، تسلم مقاليد الحكم وصيا ، الا انه لم يتنازل عن الكرسي لصاحبه الا بعد وفاته فاستلم على محمد الاخشيدي الحكم

كان كافور حاكما للدولة الإخشيدية في مصر والشام، وكان الحاكم الفعلي لمصر منذ 946م دام حكمه 23 عاما.

قيل انه كان يقوم بالاشراف المباشر والتواصل التام مع رعيتة وكان كريما في العطاء مما جعل المتنبي يشد رحاله الية عسى ان ينال منه فضلا ، فدخل مصر مادحا وخرج منها قادحا لم ينل سوى مالا دون مقاما ، فقد كان كافور يعجه الاذكياء مثله لكنه لا يجعلهم ممن يقومون حوله .

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

“كتاب بالفرن” /عبدالرحمن الريماوي

إن معرفتك وأيمانك بذاتك و بقدرتك ، الضابط الحقيقي لتصرفاتك الاخلاقية

%d bloggers like this: