هناك من الأفكار ماهو ثابت وراسخ رسوخ الجبال من الصعب تحريكها أو تغييرها ؛ أفكارُ راسبة في العمق كرواسب البحار الغارقة بالقعر . وهناك أفكار قابلة للتغيير

تجديد الأفكار .. فدوى خصاونه

هناك من الأفكار ماهو ثابت وراسخ رسوخ الجبال من الصعب تحريكها أو تغييرها ؛ أفكارُ راسبة في العمق كرواسب البحار الغارقة بالقعر .
وهناك أفكار قابلة للتغيير والتبديل كقطعة الخشب التي تطفو على السطح تتحرك وتتقلب تبعا لحركة الموج والماء فتغير مكانها ويسهل التخلص منها .
كل الأفكار الثابتة والأصيلة يدعمها العلم والرؤية المستندة إلى المعلوم للوصول إلى المجهول بإعمال العقل واستغلاله لطرح التحديثات الفكرية فلا قيود ولا ضرائب على الأفكار .
يقول ديكارت : أنا أفكِّر إذن أنا موجود فالمواقف هي مرآة الفكر وانعكاسات العقل .
أمَّا الاختلاف فيأتي نتيجة فارق الزمن ، والبيئة ، والثقافة .
والمواقف تسلط الضوء على التبايُّن الفكري ؛ على سبيل المثال أمضيت اليوم وقتا طويلا وأنا أقنع ابنتي بضرورة الكفِّ عن تناول البرغر ؛ كما أمضيت وقتاً وأنا أقنع أمي أن تشارك ابنتي بقطعة صغيرة من البرغر ؛ فلا سبيل لإقناع أي منهما فلكل جيل تفكيره الذي يؤمن به.
من المسلَّمات أنّ الفكر الإنساني يخضع لسيطرة معتقدات موروثة أو مكتسبة أو معتقدات وليدة الَّلحظة أو أنها مأسورة للعادات والدِّيانات ؛ فالأصل بالأفكار على الصَّعيد النظري أنَّها غير قابلة للإندثار ، ولكن عملياً تجديد الأفكار مطلب وحاجة مهمَّة كأهمِّية أن تجدِّد الشَّجرة أوراقها ، كأهمِّية أن تجدِّد الشَّمس شروقها وغروبها ، وكأهمِّية أن يزداد وعي الفرد مع تقدمه بالعمر .

تجديد الأفكار بات ضرورياً لنخرج بالعذب والنقي من المحتوى والمضمون قولاً وفعلاً كالنّهر الجاري يجدد ماءه العذب النقي .
ولربما التجديد الفكري يحدث دونما رغبة أو إرادة تماما كمن يحمل مظلة لتقيه صفعات المطر ولهيب الحر ولكنه يبتل رغما عنه ويصارع ألسنة الشمس .
تلك المظلة لم تنفعه في مواجهة المؤثرات فما أكثر المؤثرات التي تقتحم عالم الإنسان !
وما أكثر الصفعات البائسة على وجهه !
فلا بد مع التفاعلات الفكرية ولا بد من دمج المعطيات لنرتقي ونتعاطى مع الكم الهائل من التغيرات ؛ فمن هنا وجب التَّجديد الفكري ليندرج تحت مسمَّى القبول القسري والإجباري لكل الحداثة ولكل التأثيرات .
فما قيمة العقل إن لم يعمل على إعادة صياغة الأفكار ليصنع ثورته على معتقداته ويتلفها لعدم فاعليتها بعد أن باتت منتهية الصَّلاحية .
فما تؤمن به وتدافع عنه اليوم تتركه وترفضه غداً أو لربما تعيد صياغته بما يتناسب مع الحدث .
تجديد الأفكار بات ضرورة ملحَّة لمسايرة الواقع والتَّعايش مع المجتمع لتحقيق العبور على جسور السَّلام مع النفس ومع الآخر .
الأيَّام لم تعد تتشابه شكلاً ولا مضموناً ؛ فمن السَّلبية المطلقة أن نرتدي ثياب الماضي في الحاضر .
بالأمس كنا ننتظر ساعي البريد لأجل رسالة نصُّها : (مرحباً أنا بخير ) واليوم نلتقي صوت وصورة من كافَّة بقاع الدُّنيا ؛ فما عادت أفكار الأمس تجدي نفعاً اليوم .

فقد تسجل بعض الأفكار مغادرة ولا تعود تملك آخر ظهور على ميناء الزمن ذلك أنها مرفوضة قلبا وقالبا .
أمّا أولئك المقيَّدون لأفكارٍ ومعتقداتٍ فكأنَّهم خُشُب مسندة أو جدار لا يؤثر فيه طرق ولا همس فلا أذن للجدار .

المزيد من اعمالها

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

عصفور ملون / منيرة شريح

فمهما كان قصده فقد أسعدني وذكرني بذلك الكم الهائل من الأمل

%d bloggers like this: