امرأة الباب / محمد مشّه

دخلتُ ، جلستُ ، المارد تململ في داخلي ، كتمته ، تذكّرتُ بأني لم أتناول طعامي منذ ساعات الصباح ، وهذا البرد ينخر عظامي في غرفة يتيمة ، يعلوها الصفيح ودلف الشتاء .
نهضتُ متثاقلا ، لا امرأة في الغرفة ، لا ضوء فيها ، ولا دفء ، وصلتُ وابور الكاز ورحتُ أعدّ لي الشاي . وضعتُ كسرة من خبز ، وبقايا زيت وزعتر خلطتهما معا ، صببتُ الشاي ، مضغتُ لقمة ، بصقتُها ، ارتشفتُ من كوب الشاي ، بصقتُ ، فلقد نسيت أن أضع السكر .
كبُر المارد فيّ ، أزحتُ الصحن وكببتُ إبريق الشاي بنزق ، نهضتُ مسرعا ، خرجت ُ ، صفقتُ الباب ، ركلتُه بقدمي ، وصلتُ الشارع ، أشرتُ لسائق سيارة كي يتوقف ففعل ، قلتُ : اذهب بي إلى مكان لا أعرفه من فضلك .
وصلت السيارةُ ، نزلتُ فطغت صور النساء وسيقانهن البرّاقة ، نهودهن ، شعورهن ، أردافهن الكبيرة …. منذ متى لم أذق طعم امرأة ؟ …. المارد يكبُر فيّ . أسيرُ بضعة خطوات ، أصلُ الباب ، أجدُ امرأة تقف جوار الباب تغريني برخص الأسعار .. الأسعار ؟ ما فائدة المال أمام هذا المارد الذي يشطرني شظايا ؟. تبتسم المرأةُ ، أتقدمُ خطوة ، تكبُرُ ابتسامة المرأة ، يكبُرُ المارد فيّ أكثر ، أُحرك قدميّ لأخطو الخطوة الثانية نحو امرأة الباب ، وهذا الشوق والحرمان منذ أن ماتت هي أو متُ أنا .
قدمي تلتصقُ بالأرض ، فينزع الماردُ التصاق قدمي ، عقلي يرفض ، المارد يصرخ ، قلبي يرفض ، المارد يمزقنّي ، المنادي يعلنُ أن الله أكبرُ ، المارد يدفع بي نحو امرأة الباب ، منارة المسجد تضيء العتمة ، الناس في شغل عني ، امرأة الباب تساعدني على الدخول ، تمسك بيدي ، تشتعل روحي ومسامات جسدي ، تشدّني إليها ، المنادي يعلنُ أن الله أكبر ، الماردُ يغلّق أذنيّ ، قدميّ ، يديّ ، أحاول التملص منه ، وتخليص يديّ من إصرار امرأة الباب ، قدمي اليسرى تحثني على الدخول ، قدمي اليمنى تحثني على الهروب ، عقلي ، قلبي ….. المارد يحثُني على الدخول ، امرأة الباب تشدُني إليها ، المنادي يعلنُ أن الله أكبر .
ـ أستغفر الله …. لسان مثقل ، قلب شغوف بالهروب ، عقل يتمسك برفضه الدخول ، ومنارة المسجد تضيء الأفق .
ـ أنا ملك لك تقول امرأة الباب
صوتُ الله أكبرُ يعلو
المارد يزداد بي التصاقا ، دفع يقذفُ بي من الخلف ، دفع يخلصني من امرأة الباب ، دفع يقذف بي نحو بقعة الضوء ، أعلن توبتي ، أدخل سكينتي ، أتوضأ بنور الفجر وأعلنُ أن الله أكبرُ .

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

ستنجلي الغيوم – مها حيدر

لم يكن مفاجئًا ، صوت الانفجار ولا الدخان ولا منظر سقوط الأبنية ، كان أبي يحضن اختي الصغيرة ذات العامين ودموعه تتساقط على لحيته وقد بللت ثيابه ، الخوف في عينيه على اخوتي بعد أن فقدنا امي قبل يومين أثناء سقوط الدار على رؤسنا بعد قصف شديد أحرق الأخضر واليابس ..

%d bloggers like this: