تطيل النظر بالمرآة علها تعثر على ضالتها فلديها شعور أن مرآتها شاش

المرآة.. فدوى خصاونة

تطيل النظر بالمرآة علها تعثر على ضالتها فلديها شعور أن مرآتها شاشة سحرية تجعل شعرها ينساب كالجداول على كتفيها ويزيد جمالا مع اضافتها “بكلا” بلون فستانها الأسود فيشع البريق في عينيها العسليتين ويحلق خيالها لأبعد من الفضاء فيطغى الكبرياء والغرور على المشهد ، مراياها موزعة في كل زوايا بيتها لترتشف منها جرعات الثقة واللامبالاة ؛ وهكذا تخرج بخطوات واثقة وبيدها اليمنى مفتاح السيارة وبجوارها خادمتها لشراء بعض الحاجيات وبعد أن ركبت السيارة وبدأت بتشغيلها أخذت تراقب الشارع من نفس المرآة لوح الزجاج ذاته ، ومن هناك من ذلك البيت الصغير تطل جارتها من حيّها بمعطف بني بالٍ و بيدها كيسٌ أسود وعلى رأسها وشاح يسحَل عن شعرها لتظهر لفائف شعرها الأجعد ويبدوَ عليها الحذر لا تريد أن يراها أحد فهيئتها بائسة وما إن اقتربت تلك المرأة حتى فتحت النافذة تريد أن تبين لها أنها شاهدتها بتلك الحال تريد أن تسبب لها الحرج ؛ ولم تكتفِ بذلك بل زادت من التقليل من شأنها وأخذت تستهزىء بها وتقول : ما أجمل شعرك ! هي تعلم تماما أن هذه السيدة لديها أطفال يتامى وتسعى لتأمين حياة كريمة لهم ولا وقت لديها للعناية بنفسها ولا تستجدي أحدا ومع ذلك أرادت أن تسخر منها ، وتكرّر السؤال ما هي طرق العناية بالشعر ؟ ما نوع (السيريوم) الذي تضعيه ؟ كم من الوقت تحتاجين لتصفيفه ؟ قالت كل هذا وهي تضحك وتتمايل وتلك السيدة لا تبالي فهي تعرف ما بها وتعلم أن أولادها أهم ما لديها وبسرعة تلقي الكيس في صندوق القمامة وتحمل رجليها بضعف وتسير بخطوات متثاقلة كيف لا وهي تحمل أعباء الحياة ؛ لتنحني أمام صعوبة الحلول فلا يجبر على الكتمان إلا صعوبة البيان ؛ كل ذلك ولا زالت تتابعها وتسخر منها وتتعالى ضحكاتها وكأنها صوت أوراق خريفية تدوسها نعال حقيرة ؛ عندما يمرض الجسد نتعاطى العقاقير وعندما يمرض الضمير فالمقبرة هي الانسب ، هذا ما جنته المرايا وبعد أن تفرغ دلو كبريائها ليفيض بتلك النفس الهزيلة تصعد سيارتها وتذهب للتسوق بتلك الثقة وذلك اليقين ؛ فمرآتها لا تكذب تطالع نفسها وتراقب شعرها عبر مرايا المحلات وهو يتطاير وفي كل مرة تمسّد على شعرها وتدلل خصلاته لتزداد اطمئنانا ، وفي طريق العودة يغشى على عينيها سواد وتتكسر المرايا ولا تعود قادرة على السيطرة على نفسها فتسقط وسط شظايا مفتتة فيجتمع المارة ويحاولون إسعافها ونقلها إلى المستشفى ويتم إجراء الفحوصات اللازمة مما يستدعي بقاءها تحت المراقبة ولكن النتيجة تظهر من الفحص الأول ؛ فهي مصابة بالسرطان وعليها أن تخضع للعلاج لتخسر على أثره شعرها وتتمنى لو يبقى شعرة واحدة مجعدة .

المزيد من اعمالها

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

ندامة الكسعي - مما اعجبني

ندامة الكسعي – مما اعجبني

استخدم العرب تشبيه "ندامة الكسعي" لوصف أسوأ حال يصل إليه المرء عند الندم، وتأتي القصة لرجل كان يرعى إبله في البر فرأى شجيرة يصلح خشبها للسهام فسقاه

%d bloggers like this: