في حكمة اللغة العربية وتمكينها /د. عبدالرحيم مراشدة
عبدالرحمن ريماوي 21 دجنبر، 2020اقلامالتعليقات على في حكمة اللغة العربية وتمكينها /د. عبدالرحيم مراشدة مغلقة349 Views
قال تعالى: (ولقد تعلمُ أنهم يقولون إنما يُعلمُه بشرٌ لسانُ الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) صدق الله العظيم. يقول شاعر مجهول: لغــتي أفــخر إذ بُليـــتُ بحـبها فهي الجمال وفضلها التبيان وقلت أنا بأثر منه، معارضاً: عربــيةٌ لغتي وفخــر عروبتــي قـُدســـية، وكفيلُـــها القـــرآنُ فيها الفصاحةوالنهى وجمالها فصل الخطاب، سبيلها التبيانُ
إننا نعيش ظروف الابتلاع، والامتصاص، والإلغاء، بقصد أو من دون قصد، للتعمية على منتجنا اللغوي، ونحن في عصر رخوي تشوبه بعض السلوكيات غير النظيفة، نظراً لتجبر وتسلط بعض الإيديولوجيات الوافده، ونعيش في زمن تتصارع فيه الحضارات، وتظهر بجلاء الهجومات على لغتنا العربية بشكل لافت، وفي ميادين مختلفة، وفي كل ما يتعالق معها، لما للغة العربية، لا سيما في مشرقنا العربي الإسلامي من حضور، ومن دور مفاهيمي وعقائدي في ذاكرة الشعوب وتحولاتها عبر العصور. إنّ للّغة سلطةً وظلالاً، وعلى عاتق الأجيال المتعاقبة، يقع عبء المتابعة والاحتراز، والوعي بالكون والعالم والإنسان، هذا الوعي بالضرورة عليه أن يتجه إلى اللغة، وأعني اللغة هنا العربية، وكلنا يعلم علم اليقين أن اللغة هي الشــعب والأمــة، وهي المكون الأساس لذاكرة البشرية، ومعيار الهوية الحقــة والمواطنة، وإننا، بوصفنا مثقفين عربا، نتحســس وجودها المادي والمعنوي المحايث لوجــودنا، كما لو أنها كائن حـي، بتعبير المؤرخ والمهتم بشؤون اللغة، جورجي زيدان. تأسيساً على ما تقدم، يمكن القول: إن من الحكمة العظيمة في الدرس اللغوي إدراك أهمية لغتنا العربية، والوقوف على ما تفعله وتؤثر فيه، إنها البوتقة التي تنصهر فيها عناصر ثقافتنا الضاربة في عمق الحضارات الإنسانية، ولهذا لا بد من إدراك مسائل معينة، فأقول:لغتنا العربية حكيمة، ويجب أن تكون، كما هي دائماً في أزهى العصور، بل علينا أن ندرك أن بالإمكان أن تتبوأ المقدمة في أرقى الحضارات، كما وتسهم فيها، وفي الحضارة الأنسانية، فلها قابلية للتوسع المســتمر وامتصاص الجديد والحديث، والقدرة فيها على التوالد والتوليد للكلمات والأصوات معاً.،ولها قدرة على الانتشار، إن نحن أحسنا الوعي بها، وبوجودنا المستند إليها. المثقف العربي عليه أن يعي أمورا مهمة، وهي الوعي بفكر الكاتب والمؤلف وبفكر النص، وبفكــر المتلقي للنــص، بمعنى الوعي بالكون والعالم والحياة. يبدو واضحا أن طبيــعة اللغة العربية وعجيــنتها الأولى (المادة الهيولى)، إن جاز التعبير، قدّرها الله لتكون قابلة تماما للتشكل، والتشكيل، والتوالد، والتجزئة كما لو جينات تنفصل من جينات أصيلة وتتوالد،، لتقيم خلية أو خلايا حية جديدة، فإذا كان الإنسان هو جوهر الوجود وأساسه ومعناه، فإن اللغة معنى الذوات الإنسانية في الوجود، ويتحدد الإنسان بوجوده من وجود لغته، بكل أشكال هذه اللغة الكتابية، والصوتية، والتلفظات التعبيرية أنى كانت، حيث اللغة وطرائق التفكير والتعبير هي التي تعطي للذات مسماها الحقيقي، وتُظهرها وتميزها عما عداها. هناك كثير من المفاصل العظــمى والمهمة لنا في ســياقها التاريخي والحضاري لحضور اللغة وتحولاتها في الفكر العربي عبر تاريخه، فبــعد الخليل وسيبويه وابن جني وابن يعيــش، نجــد حضور المـــدارس النحوية التي شكلت مخــابر مهــمة للدرس اللغــوي وتحولاته وتطـوراته، وما كان يمـكن أن تكون لولا ثراء هذه اللغة وقدرتها على التوسع والتوالد كلما زاد فيها العبور زاد اتساعها. إأن العلماء الكبار والكتاب كانوا يدركون كثيراً من أسرار العربية وظهرت مؤلفات تحكي ما في العربية من أسرار، وكان لهؤلاء القدرة على التمييز بين الكلمات والحروف ومشتملاتها، وفرقوا حتى قبل “سوسير” بين اللغة والكلام، لكنهم في مدى سياقهم التاريخي لم يتمركزوا على هذه المسألة بقدر الاهتمام وبقدر اشتغالاتهم على الإعجاز والبلاغة والبيان والفصاحة في القرآن الكريم، (حركية اللغة العربية المعاصرة بين التقدم والتراجع) إن لغة الضاد قد تعتب كثيراً أو قليلاً على أبنائها، لا سيما أولئك الذين يتبؤون مواقع لصنع القرار، هؤلاء هم أخطر ما يكون على اللغة العربية، فقد يرفعون من شأنها في بلادهم وقد يتعاملون معها بكيفيات تقلل من حضورها وفاعليتها، ومن هنا تأتي أهمية المبادرة التي أطلقها صاحب السمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني حفظهما الله. هذه المبادرة أثنى عليها غير واحد من المهتمين في شأن اللغة العربية، وبخاصة مجمع اللغة العربية في الأردن الذي جــاء على لســانه: (إن أهمية هذه المبادرة ليست من جانب سياسي فقط، بل هي من جانب شرعية الدولة والشهادة، وفي هذا دعم هائل ليس لمحبي العربية، والذين يقفون بجوارها ، والذين يصرون على التعليم والإعلام بها، بل هي أيضا تمثل الصورة الشرعية للنبوة التي كانت العربية هي خيول الفتح وسيــوفه) ومن هنا كان الحرص على إصدار قانون اللغة العربية وحمايتها عام 2015. الذي يحتم على الموسسات هنا وجهات الاختصاص الالتفات لخطورة المرحلة، والسعي للدفاع عن هذه اللــغة الحضارية الإنسانية السامقة. نلفتت انتباه المختصين في بلدنا العزيز، التي تدعو إلى الحرص على اللغة العربية، وتطوير أدواتها المعاصرة، لتكون لغة العلوم، والإبداع، والمعارف. وبالمناسبة، فقد لفت انتباهي مقالة لرجل حريص على اللغة، وعاش همومها، وكان واعياً لما يجري في الساحة، وهو (الأديب فاروق جويدة)، وذلك عندما كتب ضمن مقالات أسبوعية له في (الأهرام) تحت عنوان : (اللغة العربية في إســرائيل)، ما يلي : «في ظل المنــظومة الثلاثية التي فقدت ثوابتها ودورَها وتأثيرها في مصر، وهي التــعليم والثقافة والإعلام، لم يكن غريباً أن تقرر إســرائيل تعليم اللغة العربية لأطفال المدارس الابتدائية كبداية انطلاق نحو دور ثقافي يراه البعض بعيداً، ولكن كل الشواهد تؤكد أنه قريب وقريب جداً. أريد تفسيراً لما يحدث .. انهيار، أو تراجع كامل للغة العـربية في بلادها، بين مواطنــيها وفي مدارس أطفالها، في حين تشهد برامج التعليم في إسـرائيل كل هذا الاهتمام باللغة العربية، – ما هذا التناقض التناقض- لا يمكن أن يأتي ذلك بالمصادفة، لأن كلّ شيء عندنا يقوم على العشوائية والارتجال، وكلَّ شيء في إسرائيل له حسابات وأهداف معينة ومصالح – ومثل ذلك بالطبع في الغرب -. فهل وصلتنا تلك الرسالة؟». علق فاروق جويدة في مقاله في (الأهرام) على قرار إسرائيل تعليم اللغة العربية في مدارسها ابتداء من المرحلة الابتدائية، تعليقاً ضافياً اخترت منه: التالي: «إن وراء القرار الإسرائيلي أهدافا ثقافية وسياسية وتاريخية، لا يمكن لنا أن نتجاهلها .. ورغم أن القضية تمس العالم العربي كله بناةفيه وبمؤسساته التعليمية والثقافية والفكرية، إلا أنني رأيت أن أتوقف عند قضية اللغة العربية في مصر. هناك شواهد كثيرة لا أريد أن أكررها، تؤكد أن دور مصر الثقافي عربياً وإسلامياً قد تراجع كثيرا، وأن أخطر مظاهر هذا التراجع هو أزمة اللغة العربية، لأن مصر بجامعاتها وأزهرها وفنونها وآدابها ومثقفيها، كانت القلعة العــتيقة التي صانت وحافظــت على العربية». ثم يضيف الكاتب الصحافي الكبير والشاعر المبدع، في مقاله الأسبوعي الذي ينشر في (الأهرام) تحت عنوان (هوامش حرة) : «هنا يمكن أن نتوقف عند بعض الشواهد التي ينبغي أن نقرأها قراءة صحيحة في ظل القرار الإسرائيلي بتدريس اللغة العربية .. وفي الوقت الذي اتخذت فيه المؤسسات التعليمية الإسرائيلية هذا القرار، نجد التعليم المصري يتجاهل تماماً اللغة العربية، ويسقطها من قائمة الأولويات أمام التوسع الرهيب في إنشاء المدارس والجامعات الأجنبية، ومعظمها لا يقوم بتدريس اللغــة العربية، لأن كل دولة تفــرض برامجــها التعليمية، بما فيها اللغــة العربية .. لدينا مــدارس أمريكــية وإنجليزية وكندية تعتبر اللغة الإنجليزية هي الأساس، ولدينا مدارس فرنسية تعتــبر اللغة الفرنسـية هي الأســاس، ولدينا مدارس ألمانية تعتبر اللغة الألمانية هي الأساس، ولن يكون غريباً أن نجد مدارس صينــية وهنــدية ويابانية في مصـر قريباً .. ليس هناك اعتراض على وجود هذه المدارس، وإن كانت قد حولت التعليم في مصر إلى كيان هلامي بلا ملامح وبلا جذور وبلا هوية .. ومن هنا سنجد أمامنا أجيالاً لا تعرف لغتها ولا تعرف شيئاً عن تاريخها أو جذورها، وبعد ذلك قــد نتباكى على شيء يسمى الانتماء. في ظل هذا الهجوم الأعمى الشرس من المدارس والجامعات الأجنبية، ثم كان غياب دور الأزهر وتراجعه وهو أهم حصون اللغة العربية، واختفاء أسماء الجامعات المصرية من قوائم الجامعات المتميزة. ومثل ذلك راحت الجامعات العربية تتراجع في السلم التراتبي العالمي للجامعات. لما تقدم وفي ظل هذه الظروف المتسارعة حولنا ليتنا نعي قيمة اللغة العربية وآثارها على بنية التفكير وعلى حركية الإبداع، ودون الوعي بهذه الأمور سنبقى أمة تلهث للحاق بغيرها من الحضارات.
تستنفزف أعصابنا ...وطاقاتنا ...وتموت بأعيننا كل بهجة أومت لنا بحضور ما ....الا أن هذا الصباح شق من فمي ابتسامة ....استغربها من حولي وقد اعتدوا وجومي وقلة كلامي