دراسة تحليلية لجانب من جوانب نص شعري للشاعرة / سفَّانة بنت ابن الشاطىءيقدمها الشاعر الناقد /سامي ناصف حول أثر الصورة الشعرية، في قصيدة بعنوان (تهويدة على إيقاع شاعر) للشاعرة سَفَّانة بنت ابن الشاطىء.
تصدير:إن تطور العلوم المعاصرة، وَاكَبَهُ تطور مماثل في الفنون الأدبية على اختلاف مسمياتها.ففي مجال الشعر مثلا، رأينا تَغَيُّرًا عظيما في بنية القصيدة العربية الحديثة، حيث كان من الضروري التحرر من قيود التقليد، لا هدمه، لمواكبة الحداثة بأشكالها المختلفة، تماشيا مع مستجدات العصر الحديث، فبرزت على إثره تيارات فكرية ومذاهب أدبية تعددت منطلقاتها الفكرية ومذاهبها الأدبية، وتنوعت معها الأشكال التعبيرية في القصيدة العربية لنُظم بنائية جديدة، وجد فيها الشعراء حاجتهم إلى التجديد، فمن هنا ظهرت أنماط القصيدة العربية الحديثة بأشكالها المتعددة ، وكان التحرر من ضبط النُّظم القديمة والانتقال إلى وسائل فنية جديدة، مدخلا إلى عهد جديد قَوامه، الرمز، الإيحاء.واجتهد الشعراء في سكب الجمالية عليها معتبرين أنها حالة فنية عالية متكاملة مع الرمزية والإيحائية.ومن هنا وضع النقاد مبدأ التجديد في القصيدة العربية الحديثة على مشرحة النقد والتحليل من جوانبه كافة، ونال أسلوبيته التي اعتمدت على التفاعلات اللغوية في تحليل النص الأدبي حيث يرتقي بالألفاظ من مستواها والوظيفي، إلى المستوى الفني ولتكون عاملا مشتركا في دمج العواطف والأحاسيس.وكانت الصورة الشعرية أحد الأركان الأساسية التي خضعت للنقد والتحليل، لأنها تُعدُّ إحدى أهم الركائز التي تبنى عليها القصيدة العربية، وإحدى مقوامتها الإبداعية والفنية، لما يكمن فيها من طاقة جمالية وإيحائية تولدها إحساس الشاعر، وتمس بدورها أفكاره ونظرته إلى الحياة والإنسان والكون.ولقد نالت الصورة الشعرية اهتمام المجديين حتى أصبحت سمة بارزة من سمات النص الشعري، وعلامة فارقة على تطورها وتقدمها لتواكب وهج الحداثة.ومن هنا نرى أن للصورة الشعرية في القصيدة العربية الحديثة أنواعا وخصوصية خاضعة لمؤثر الخيال الذي يمتلكه كل شاعر حداثي.ومن المعلوم أن للصورة الشعرية في النص الشعري الحداثي دورًا كبيرًا في بنية القصيدة؛ كونها المؤشر الرئيس، إلى بوصلة الحداثة بما تحويه من إثارة، ودهشة وإعجاب، وانزياح، ومفارقة،، وخيال.كل ذلك يمهد فضاءات المتلقين لقراءات متعددة ومفتوحة بسبب تجليات الصورة الشعرية الحديثة في النص الأدبي الحداثي.والشاعرة / سفَّانة بنت ابن الشاطىء. كدست قصيدتها بكثير من الصور الشعرية الماتعة الابتكارية، وهذا نابع من خيال فريد استطاعت توظيفه بشكل داهش، فجعلت من القصيدة صورة كلية مبنية على أركان ثلاثة: الصوت، اللون، الحركة.وهناك صور كلية مركبة، وصور جزئية مفردة، كل ذلك ساهم في إخراج التجربة بشكل صادق، عبر المفردة، والتركيبة، والصورة.فلو قطفنا بعضا من قطاف القصيدة ، لوجدنا شجرتها الإبداعية غنية بما تحمل.تقول سفّانة:(لولا فضول الضحى، ماصغت قافيتي.)وقولها:(يا ضحكة الريح حين الأمس يفرشنا على رصيف المُنى.. يقتادني سحرا)وقولها:( غدًا أعود إلى أدراج ذاكرتي من السطور فحرفي يرسم الذكرى)وقولها (ترمقني عين الحروف) وقولها:(هل قُدَّ ثوب المعاني….أم قَدَّ حرفك حرفي؟!)هذه بعض من قطاف دوحة القصيدة، أقف أمامها لترسم لي شخصية الشاعرة، فمن ملامحها:أ- أنها تنعم بعبق التراث، وتنتشي شعرا بوهج الحداثة، وهذا المزج العبقري يشِفُّ عن شاعرة قنَّاصة تقنص عرائسها من ربة الشعر مستغلة خيالها الثَّرَ لينِزَّ عليها من جماليات الصورة الشعرية الابتكارية التي لم تُنْزع بكارتها إلا من خلال حرفها؛ ففي هذه الصورة الجديدة الابتكارية محفل من الجمال الذكي قولها: الأمس يفرشنا، على رصيف المُنى.
صورة مركبة متداخلة، ابتكارية موسومة بالانزياح اللغوي والاستعاري.
وتزيدنا بَهرًا بقولها: فحدِّثِي الصبح عن ذكرى تعانقنا، يعتق الأمل الآتي بها الزهرا. رغم مافيها من الجمال المعنوي، إلا أنها لم تنس نصيب الموسيقى الظاهرة،التي تطرب الآذان من خلال هاتين المفردتين داخل التركيبة (تعانقنا،ويُعتق،) وكأن هذه الصور ، أكاليل تشع بهاءً وجمالًا على الخريطة النصية للقصيدة، حيث جمعت بين الحركة والسكون، وأحدثت تصالحا بين الأضداد، لتفرغ طاقاتها النفسية، المتدفقة من ينابيع الرومانتيكية الفرنسية.
فالحركة متمثلة في جُمْلة من المفردات التي زاحمت الساكن ليشتعل، ويشتبك مع الدراما النفسية، والديلوج الداخلي بين العقل، والقلب.
في قولها عبر مفردات الحركة: خذني،موج، طوت،صار حرفك، لولا تلاقي،ياضحكة، يقتادُني، يرسم الذكرى،يغتالني،يعصر الشعر،سترسم الشمس،هل أهجر الشعر.
لتمتد هذه المفردات المشبعة بحيوية الحركة لتلتحم مع معاكسها الساكن لتخلق حالة من البَهر والدهشة-الأنوثة،السحر،الحب،رصيف.
والشاعرة في غمرة مغازلة ربة الشعر لم تنس أيضا دور التناص مع المعجم القرآني، حينما مهرت التوظيف والمعالجة، واستدعت قميص يوسف وفرية الكذب عليه مع زوليخة امرأة العزيز، وهو بيت القصيد في قولها: هل قُدَّ ثوب المعاني، والأسى صورا..
أم قَدَّ حرفك حرفي فارتقى السطرا.
ورغم ذلك نرى في القصيدة جوانب ومسالب وتلك طبيعة كلام البشر، في استدعاء بعض القوافي التي لم تكن ختما مناسبا لقوة البيت، وهو روي مطلق، يقال عنه تنوين ترنم: ومن بين هذه القوافي الضعيفة التي كان من الممكن أن تفتش في مخزون معجمها اللغوي لتخرج الخبأ المناسب مثل قولها: زهت (شكرا)
أثواب الهوى (حِبرا)
وهناك لَبسٌ في الإعراب يحتاج تخريجا في قولها: يستافني الصبرا، أين فاعل يستافني؟
وقولها أم قُد حرفك حرفي فارتقى السطرا، أين فاعل ارتقى؟ وكانت الشاعرة مجيدة في وضع عنوانٍ انزياحيٍّ ماتع (تهويدة على إيقاع شاعر) يُعدُّ عتبةً فلسفية تسبل على القصيدة هالات من الدهشة والغواية المستحبة.
تحياتي شاعرتنا.
وإليكم النص..
تهويدة على إيقاعِ شاعر
شعر: سفانة بنت ابن الشاطئ
خُـذني لـجُـرفِكَ والحرفِ الذي أسْرى
كــمـوجِ بــحـرٍ طـــوَتْ أســرارُه الـنـهراَ
لـولاَ فـضولُ الـضُحَى مـا صُغتُ قافيتي
وصـــارَ حــرفـُكَ مِـشـكاةً زهتْ شـُكرا
لــولاَ تـلاقِـي الــرُؤى مــا زارنــِي أمـلٌ
ولا نــظـمـتُ حــروفًــا تــنـثُـرُ الــعِـطـراَ
عـشـتارُ يــا ثــورةَ الـحـبِّ الـنَـدِيُّ، ويَـا
رمـــزَ الأنــوثـةِ والـسِحرِ الذي أثـرَى
يـا ضِـحكَةَ الـريحِ حـينَ الأمسُ يَفْرِشُنَا
عَـلـى رصـيفِ الـمُنَى…يَـقتادُني سِحرا
فـحـدِّثِي الـصبحَ عــن ذِكْــرَى تُـعانِقُنَا
يُـعـتِّـقُ الأَمَـــلُ الآتــي بها الـزهْرَا
أيـقـنـتَ أنّـــي بـــلا عـيـنـيكَ نـاقـصـةٌ
وفـــي عـيـونِـكَ أحـــلامُ الـصِـبا تـتـْرَى
غــــدًا أَعــــودُ إلــــى أدراجِ ذاكِــرتِــي
مـنَ الـسطورِ، فـحَرفِي يـرسُمُ الذكرَى
يـغـتالنُي الـصـمتُ والآهـاتُ تـخنُقُني
وأنـتَـشـِي وجـعـاً ،” يـسـتَافُني” الصَـبرا
إنــــي مـكـثـتُ وراءَ الــبـابِ تـرمُـقُـني
عـينُ الـحروفِ وقـلبٌ يـشتكي الـهَجْرا
فـيـبحَثُ الـصـمتُ عــن حــرفٍ يُـغـازِلهُ
ويـعـصِرُ الـشِـعرُ أنـخـابَ الـهوَى عـصْراَ
يــا جَــذْوةَ الـشِّـعرِ إنــي لـلـسَّنا نَضَرِي
لـكِـنَّ نـبـضِي ذَوَى فــي لـيـلةٍ حــرَّى
هـلْ قُـدَّ ثـوبُ المعانِي ، والأسَى صُوَراً ؟
أم قَـدَّ حـرفُكَ حَرفِي فارتَقَى السَطرَا؟
ستَرسُم الشمْسُ من أحْلامِنا شفقَا
والـليلُ يـلبِسُ أثـوابَ الـهَوى حِبرَا ..؟
مـا عُـدْتُ أعـرِفُني .. قدْ خَـانَنـِي قلمِي
هـلْ أهـجُرُ الـشِّعرَ أمْ أهجُو بهِ الشِعْرا ..؟؟؟
دراسة تحليلية