العصفور الذي مات عن 63 سنة – يوسف الديك

العصفور الذي مات عن 63 سنة – يوسف الديك

العصفور الذي مات عن 63 سنة - يوسف الديك

مساء الأحد 15-02-1999..كنت عائدًا من نشاط ثقافي في مقر اتّحاد كتّاب وأدباء الإمارات، فرع رأس الخيمة ، والذي يبعد عن بيتي ثلاثة كيلومترات فقط .

على الشارة الضوئية توقفت المركبات ، لنتابع فور تحوّلها للأخضر ، مع خروجي من مربع المرور وتقاطع الشارة لمحت عصفورًا من الجانب المقابل للطريق ، يتّجه بشكل سريع نحو نقطة الالتقاء بسيارتي ، خفّفت من سرعتي إلى حد كبير لكنّه ارتطم بمقدمتها ، توقفت كليًا ، ترجًلت وإذا به محاصر داخل مثلث شارة المرسيدس ، وقد تطاير بعض ريشه على غطاء المحرك ، حملته بنعومة ، لأجد أنّه فارق الحياة ، لففته بمنديل محارم ورقية ووسّدته إلى جواري وعلى مهل كما لو كنت في موكب جنائزي وصلت بيتي وحملته ، حفرت بقطعة خشبية وجدتها قرب منطقة ترابية جوار مرآب السيارات ، ودفنته ودمعتي الساخنة تبلّل وجنتيّ و تحرق خدّي.

بعد ساعة في البيت ، اتّصلت والدتي على الهاتف الارضي تسأل عن أخبارنا ، طلبت منها إغلاق الهاتف كي أطلبها من طرفي لنتحدث أكثر ببعض التفاصيل حتى الواحدة بعد منتصف الليل ، ودّعتها …ونمنا.
صباحًا …كانت الساعة لم تتجاوز الثامنة والنصف بعد ، وردت مكالمة من زوجتي طلبت زميلي الأقرب في العمل -معن- …نهض من مكانه وعاد بصحبة ثلاثة زملاء بينهم مدير البنك ، الذي عانقني مردّدا العزاء برحيل أمي… العصفور الذي مات عن 63 سنة ، دون مقدمات.
في هذا اليوم ، منذ اربعة وعشرين سنة ، صباح الإثنين 16-2-1999 سافرت مذهولًا، للمشاركة في جنازتها.
ثمّة حلمٌ يراودني في لحظات الوجد ، أنّني سألمحها يومًا في طريق ما ، وأطير نحوها لتحتضنني كطفل.

حتى وإن كبرنا ، نحن بفقد الأيدي التي كانت تحنو علينا وتمسح رؤوسنا …في غياب الأمهات فقط ، نحن أيتام .

*******
May be an image of 1 person

About Abdulrahman AlRimawi

Check Also

لا ليلنا ليل ولا نهارنا نهار – فاطمة شريح

تستنفزف أعصابنا ...وطاقاتنا ...وتموت بأعيننا كل بهجة أومت لنا بحضور ما ....الا أن هذا الصباح شق من فمي ابتسامة ....استغربها من حولي وقد اعتدوا وجومي وقلة كلامي

%d bloggers like this: