سفانة بنت ابن الشاطئ 26 يناير، 2021اقلامالتعليقات على أربعون يوما على غياب سماء.. بقلم عبد الأمير المجر مغلقة550 Views
سماء .. أربعون يوما .. غياب سبعة عشر عاما وأربعة اشهر وأربعة أيام ، هي المدة التي اقتطعتها سماء من عمر الزمن ، وتمثل عمرها الخاص الذي طوى آخر لحظاته ظهر يوم 16/12/2020 .. ففي يوم 12/8/2003 حين انفردت بي الطبيبة التي اشرفت على ولادتها في مستشفى النعمان بالأعظمية ، وقالت لي ان الطفل سيولد بشكل غير طبيعي، انتابتني مشاعر غريبة لااستطيع وصفها ، وصرت أعد اللحظات ، وحين رأيت سماء للمرة الاولى ، بدت لي جميلة وتداعب بكفيها الصغيرتين وجهها، لكن بقية جسدها بلا حراك ، وهناك شقّ في ظهرها بدا كالجرح العميق ، عملنا على أن نجعله يلتئم ..الأطباء حذرونا بأنه في حال إجراء عملية للجرح قد تفقدها القدرة على حركة اليدين أيضا ومضاعفات كبيرة أخرى، فاكتفينا بعملية وضع الصمام في الرأس والذي بات هو من يديم دورة الحياة في جسدها الصغير، لكن الى حين ! إذ قالوا لنا أنها قد تفارق الحياة بعد سنين قليلة ، ولا أمل في شفائها، لأنها ولدت بقطع كبير في النخاع الشوكي والعمود الفقري ، بل إن بعض من راجعناهم في تلك الايام ، قالوا إنها ستفارق الحياة بعد أيام ! لتبدأ رحلة معاناة قاسية بين الأطباء ، بسبب عوارض كثيرة تحصل لها باستمرار .بعد أن بلغت سماء الثالثة فاجأتني أمها برسم على ورقة وقالت لي احزر ، من رسمه ؟ .. وحين قالت لي إنه لسماء لم أصدق ، لكنني صرت أصدق ما أراه لها من رسوم ترسمها أمامي ، فكانت هذه الموهبة نافذة لتملأ حياتها وفراغها الطويل ، وقد تبنت أمها موهبتها وأخذت تعلمها وتثقفها وعملت بصبر غريب على أن تنمي موهبتها لتشيع الفرح في داخلها ، وهكذا أصبح اسمها الفني (سماء الامير) وصارت تقيم المعارض التي بدأتها في دار الكتب والوثائق ثم في فعاليات ومناسبات أخرى ، وبعدها صارت تشارك في مسابقات خارجية وتحصد الجوائز الدولية .. الشيء الذي كنت أخفيه على الآخرين ، هو الهاجس اليومي الذي كان يدمرني بصمت ، إذ عملنا أنا وأمها على أن نجعلها مدللة ولا تطلب شيئا نقدر عليه الاّ ونفذناه ، فعاشت كالأميرة ، لكنها أخذت تكبر وتعي الحياة وتتألم أكثر بعد أن أدركت حجم الفجوة التي تفصلها عنها ، فهي تريد العيش كبقية البنات، لاسيما وأنها تتواصل مع العالم من خلال تقنيات النت واليوتيوب وغيرها .. لقد كان يفزعني خيال ظل يعيش معي .. ماذا لو حصل مكروه لأمها او لنا معا ؟! وأسأل نفسي ، كيف سيكون حال سماء ومن يستطيع رعايتها ، لاسيما أننا دللناها كثيرا ؟؟ وكيف ستكون مشاعرها من دوننا ؟ بل من يستطيع أن يمنحها ولو القليل القليل مما كنا نمنحه لها ؟ .. نعم ، كانت أسئلة قاسية تعيش معي يوميا خصوصاً في أيام القتل المجاني الذي مازالت ذيوله المرعبة تتحرك بيننا .. لا استطيع وصف مشاعري يوم رحيلها ، لأنها أكبر من أن توصف ويعرفها كل أب ، لقد اعتقدت حينها أني سأعتزل الحياة العامة ، واعترف بأن شيئا من الجزع مسني لشدة الحزن الذي غلّف نفسي وروحي وقتها ، لكنني وبعد أن أفرغت أكبر كمية من الدموع واعتصرت كتلة الحزن من صدري لأيام ، وأنا اتناول وبصعوبة القليل من الطعام لفقداني الشهية تماما ، أيقنت أخيرا أن سماء باتت في حال أفضل ، وأنها أصبحت طيرا حرا في فضاء لامتناهٍ تحلق في رياض الجنان .. لقد صعدت الى السماء وهي نقية وخالية من أي شائبة من شوائب الحياة .. رحلت لتكمل رسوماتها الجميلة ولتغدو هي أيضا لوحة جميلة تزين السماء … لقد عدتُ الى حياتي اليومية ، وصرت اذهب الى المقهى والتقي الأصدقاء ، لكني لم أنسها يوما واحدا ولا اعتقد أنها ستغادر خيالي ما حييت ، وستبقى بالنسبة لي ساقية من حزن ، تنبع من بين أطيافها الجميلة وتصب في أعماقي لتبقى ترويني .. حتى التقيها …..!
الصداقة الحقيقية لا تقف عند حدود الصمت فأنا أصغي لصديقتي في صمتها فلا تبقى وحيدة ..نتجاوز كثيرا عن اغلاط وهفوات الأصدقاء لأننا بشر ولسنا ملائكة يكفي شعورنا