1-المدير والعامل البسيط/سواليف قاضي معزول

هذي الحكاية في مثلها كثير ، لأنه غرور بني آدم أصيل فيه ، وبتكرر في كل زمان ومكان ، وفي أيامنا هذه صارت هذي السالفة  حديث الناس في المجالس والسهرات ، في القهاوي والحارات ، هذه القصة عن مدير شركة وشغيل عنده .

وكان هذا الشغيل غلبان ضعيف الحال ، يادوب معاشه بكفيه نص الشهر والنص الثاني جرجرة ، لأنه عيلته كبيرة ، وشغلته ما بدها تدريب ولا تعليم ، عشان هيك ما بوخذ علاوات وزيادات ، وممكن يستغنوا عنه بسهولة ، ويجيبوا واحد بداله ، ويظل يتذمر، ومن قهرة صار يحكي ع المدير ، لأنه مش شاعر بحالة ، وصل الكلام للمدير اللي ما عندة يمّا ارحميني ، ناداه لعندة ، راح المسكين وهو فرحان وبفكر إنه شعر بحالته وراح يزيد راتبه ، دخل يضحك ، وحاول يبوس إيديه ورجليه ، على إللي عمل له إياه ، قام المدير فز ونثر حاله وقال له وقف عندك ، هناك بعيد ، قال له ما بدك أشكرك ، والله بتستاهل بوسة إيد  ، قال على إيش ؟ قال على الزيادة ، قال أني زيادة ؟قال وإلا على إيش ناديتني ؟ قال عشان أقول لك إنك مفصول ، مطرود ما إلك عندي شغل ، الرجال انعقد لسانة وبهت ما عاد يدري شو يقول ، قال له المدير وهو يأشر للباب روح على المحاسب بيعطيك راتب الأكم يوم  إلي استغلتهم هذا الشهر ،  ومع السلامة ، نزلت دموعة وصار يشهق ، دخلك يا سيدي ، وين أروح ، منين أطعم أولادي ، ما عندي صنعة ، أنا خلقة عامل ما بعرف غير أعمل إللي بتطلبوه مني ، قال له أنا مش قلقان فيك ، إنت خلفت أولادك مش أنا إللي خلفتهم ، أنا مش فاتح جمعية خيرية ، قال له طيب امهلني شهر حتى أدبر حالي ، القى لي شغلة أطعمي منها أولادي ، رد عليه بقسوة ، قلت لك اطلع برا ، وما عندي وقت اسمع عياطك ومسكنتك ، يالله برا ، فوقع ع الأرض حتى يبوس رجليه لكنه ضربه برجلة ، وإجا المراسل والموظفين ع الصوت حملوة وطلعوه برا ،وهو مثل السكران . والمحاسب جاب إضبارته من عند مدير الموظفين وقراها ، وعمل له أمر طرد بدون مستحقات.

وما مرق ثلاث أربع ساعات حتى رن التلفون في مكتب المدير ، واللي كان يحكي هو المستشفى إللي نايم فيه ابنه ، وبجوز كان منرفز لأنه إبنة مخطر وبحاجة لعملية ، والآن المستشفى قرر أن يعمل له عملية مستعجلة لأنه حالته خطرة  ، لكن هم بحاجة لأربع أو خمس وحدات دم من نوع أُوو ناقص( o- )، يعني هذا نوع نادر وقليل عندنا ، فطلب المحاسب وقال له يبحث عن متبرعين لكنه ما وجد ،لأنهم كانوا يعتذروا ، فلما أخبره الخبر صاح فيه وقال له ياحمار بدهم مصاري ، أعطيهم قد ما بدهم ، إذا بدهم ألف دينار أعطيهم ، رجع مرة ثانية يتصل ، وهو يتصل تذكر إنه شاف في إضبارة  العامل إللي طردوه الصبح إنه نوع دمه أُوو سالب ، فراح المحاسب لدار هذا الزلمة  وطلب منه أن يتبرع بالدم إللي يقدر عليه ، ومعاه من الدينار للألف ، وإذا بدة كمان يرجع ع وظيفته بيرجعه ،  لكن الزلمة هذا وقع في حيص بيص ، يقبل وإلا ما يقبل ، مرته قالت له تبرع ، شو ذنب الولد ، وواحد ثاني قلة أطلب يرجعك ، وهذا مش ابتزاز ،  أو اطلب مصاري لأنك بحاجة ، لكن الزلمة  ظل متردد بين ضميرة وكرامته ، ورجع المحاسب وما جاب جواب صافي ، لكنه نصح المدير يروح يترجاه بنفسه ، استكبرها المديرعلى حاله إنه يروح يترجى واحد عامل كان عنده ، لكن عشان إبنه الوحيد كسر نفسه وراح ، وفي حسابه إنه يرميله أكم قرش ، فدخل عليه وراسه ومنخاره لفوق ، قال له تعال اتبرع وانا برضيك ، لكن ما رد عليه ولا قال له تفضل ، قال له أنا ما عندي وقت اسمع لك ، ففطن كلمته له فتراجع شوي ، ولين كلامه وقال ، صحيح كنا مختلفين قبل شوي لكن عشان الولد ، قام قلة هو أنا إللي خلفت الولد ، هذا ابنك مش ابني ، قام عرف إنه لساته مليان ، فقال له طيب أنا برجعلك مستحقاتك ، قام دار ظهرة وما رد عليه ، قال له بس وحدة دم واحدة حتى نقدر ندبر الباقي ، فقال له أنا مش فاتح بنك دم ، عرف إنه مازال زعلان قال له خذ ألف دينار وارجع لشغلك ،قال له يا سيدي ألف شكر على كرمك ، خلي مصاريك تنفعك ، إنجرح من هذي الكلمة وقال له يستعطفه ؛ أنا أب ارحمني أرجوك خذ قد ما بدك واطلب إللي بدك إياه ، خذ شيك مفتوح ، وتناول الدفتر ووقع على ورقة منه وقطعها واعطاه إياها وهو يقول له أكتب المبلغ إللي بدك إياه ولو مليون ، فقام الزلمة يعمل مثل ما عمل معاه الصبح وقال وهو رافع راسه بحركة تمثيلية ؛ اطلع برا ، فشعر المدير بالذل فبكى وسقط على رجليه وطمل حتى يبوسهم ،لكن الزلمة استحى أن يركله مثل ما صار معه فتراجع ودار ظهره ودخل جوَّة .

تيقن المدير أن إبنه ميت لا محالة ،فرجع إلى مكتبه في الشركة ، سكر عليه الباب وطمل راسة وصار يبكي ، لأنه تعرض لموقف ما راح ينساه أبدا ، لأول مرة واحد بهدلة ومسح فيه الأرض ، وندم إنه طرده دون سبب ودون خطأ أو ذنب كبير يستاهل ، شو بدُّه يساوي ، الولد راح يموت ، والأفضل له ان يظل ينتظر خبر وفاته على التلفون ، أحسن ما يشوفة بنازع ، ويظل يتقطع قلبه عليه طول العمر ، صار يستغفر ربه ويطلب يسامحه على الآثام والخطايا إللي عملها مع الناس ، صار يتذكر الناس إللي ظلمها وتجبر عليها ، واللي نصب عليها باسم التجارة شطارة ، وقام يتوضا ويصلي عشان يغفر له وينجي ابنه من مرضه ، وعاهد ربه إنه ما يظلم حدا بعد الآن .

شويّ وإلا جرس التلفون برن ، قام سقط قلبة ، وما قدر يرفع السماعة ، لأنه خايف من خبر ما بحب يسمعه ، وظل يتطلع عليه حتى سكت التلفون عن الرنين ، ندم لأنه ما رفعه ، فزاد قلقه وخوفه فطلب من السنترال ان يعرف إللي اتصل ، فقال له المستشفى ، فغلى الدم في راسه وسخن جسمة ، فإذا بالسنترال يقول له ، المستشفى بده إياك توقع على العملية، في عائلة تبرعت بثلاث وحدات دم ، استراحت نقسه ، فخرج من مكتبه وراح يجري بدون وعي ، وشكر الله كثير ،وأنذر لله أن يذبح عشر ذبائح إن نجحت عملية ابنه ، وأن يزيد رواتب الموظفين عنده ، وركب سيارته إللي صارت طيارة ، ووصل المستشفى ، وما عرف إن كان طفا السيارة أو لا ، وراح يجري ويطلع درجات المستشفى كل أربعة مع بعض ، لكن في راس الدرجات شاف زلمته اللي طردة اليوم الصبح خارج هو واثنين من اولادة ،  وقفوا سوا وراحوا يتطلعوا على بعض نظرات بتعبر بأكثر ما بيقوله اللسان ،لكن مدير الشركة صار يقول في نفسه :شو ها الدينة  إللي  ما بقدر أسدها …!!

سعادة ابو عراق

Read more

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

الحقيقة العارية

الحقيقة العارية – اختيار د. ريمان عاشور

الحقيقة العارية من روائع الأدب العالمي: هذه اللوحة اسمها "الحقيقة العارية" أو "الحقيقة تخرج من البئر". للفنان الفرنسي جان ليون جيروم رسمها سنة 1896 م . . !

%d bloggers like this: