مسامير نعش الثقافة / من اقتلاع وداد أبوشنب

المسمار الاول

الثقافة، كلمة ذات معنى فجّ، تحمل الجانب الإيجابي اصطلاحا، فهي تعني التهذيب، وتقويم المعوجّ، ولها علاقة وطيدة بالأخلاق، ففاقد الشيء لا يعطيه: كيف للمثقف أن يهذب شيئا إن لم يكن هو مهذبا؟؟

أقل ما تطلبه الثقافة من مريديها هو حسن الاستماع، أو احترام استراتيجية أقطاب الحديث، فلا يليق أن يتحدّث الجميع بفم واحد، ومن أساسيات الحديث أو مجالس العلم والثقافة، عنصر مدير الجلسة، الذي يمسك زمام الوقت وتوزيعه على من فُوِّضوا بالكلام.

الثقافة حقول متنوعة من المعرفة أو المعارف، وجُبِل الإنسان على حب العلم والمعرفة، فقام باحترام من يملك شهادات علمية، ورفعه المقام الذي يليق بهذه الاستراتيجية، كما احترم الإنسانُ كل من يحمل علما عن طريق الخبرة أيضا أو الاشتغال على الذات، فالشهادات ليست مقياسا ثابتا لتصنيف المثقف.

أما وقد عرضت ملخص استراتيجية الثقافة في الفقرة أعلاه، سأنتقل الآن بقلب كليم، وذهن مصدوم، وفك مشدوه مم يحيق بوضعنا الثقافي الإنساني الآن، وبما أنّنا في زمن لا يحترم المنصات الثقافية، ويعجّ بالمستثقفين، أريد التطرق إلى تفصيل الحال تفصيلا جزئيا كي لا يمل القارئ المتذمر دوما:

–        حالنا لن يفضي إلى خير ثقافة الأمة، لأن من يحضر المحفل على سبيل الاستمتاع قليلون، ومن يحضره على سبيل الاستفادة أقل بكثير. يؤسفني أن أقسم الثمانين بالمئة من الحضور -لأنني استثنيت بكل مبالغة عشرين بالمئة (أصحاب الاستمتاع والاستفادة)، إلى ثلاثة أقسام، الأول:

1- من يحضر من أجل الصور أو من أجل الحسناوات، أي التقاط صور مع أصحاب المنصة أو أصحاب السعادة وأصحاب المعالي من الحضور. وفي الغالب هذه الشريحة لا تهتم بالمحاضرة أو بالفعالية كما يليق لكنها تلتزم احترام المنصة من باب ارتداء عباءة الثقافة حسب الأصول، فيظهرون حسن الاستماع وإن لم يفقهوا حرفا واحدا (ولهم كل التحية والاحترام بقدر احترامهم المنصة).

2- من يحضر حسب مبدأ “شيِّلني وأشيلك” من باب المجاملة كي تحضر له فعالياته لا أكثر، وهذه الفئة غالبا ما تكون مزعجة، تثرثر فيما بينها كي تقتل الوقت الممل المهدور بين الورقات المقدمة..

3- وفئة لا تأتي إلا من أجل اقتفاء الأخطاء ومحاولة اختلاقها إن لم توجد، هؤلاء من يبحثون في الورد غير الشائك عن عيب وإن لم يجدوه، قالوا: ما أقبح الورد! لونه أحمر!!! هذه الفئة السيئة التي تحضر فيبدأ أصحابها قبل الفعالية بتنبيه أصحاب المنصة بعدم الإطالة، والاختصار، وبإسداء نصائح لا تصدر إلا عن فشل أو حقد أو كراهية، المنصة واضحة، والوقت المطروح واضح وهو في الغالب من 10 إلى 15 دقيقة.. وأضم إلى هذه الفئة الأفراد المتذمرين على طول الفعالية مع تغير المتحدث: أنت تحديدا أيها المتفذلك لماذا حضرت؟؟ ولم يرقك لا عريف الحفل ولا الشاعر ولا صاحب الأوراق النقدية؟؟ لماذا حضرت؟؟؟

  • كي ننجو بثقافة الغراء إلى بر الأمان علينا تقبل الفكر الذي يحمله الآخر، وعلينا التوقّف عن تقييم نجاح الفعالية بعدد الحضور، علينا أيضا التوقف عن التنظير بما لا نملك فيما لا نملك (بمعنى أدق علينا التخلي عن الاستراتيجية البلفورية).. علينا التحلي بمنطق الجلسات الثقافية، وأهم قواعده حسن الاستماع فلا نقاطع المنصة من أجل استعراض آرائنا، ولا نتأفف في حضرة المنصة أيضا، ولنقطع الهمسات الثنائية التي تحدث صريرا -أعزكم الله- أشبه بصرير الصراصير التي يتخللها نعيق البوَم.. والجلسة مفتوحة لا تُلزِم أحدا بالبقاء أو بالحضور، من شاء حضر ومن شاء رحل، وأمرنا ديموقراطية بيننا، لكن لا تسيئوا أدب المجالس يرعاكم الله، فهذا لا يتناسب مع بريستيجاتكم الاجتماعية والعلمية والثقافية والاستثقافية، كونوا كما ينبغي أو انصرفوا يرعاكم الله..

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

الصداقة – أعتماد سرسك

الصداقة الحقيقية لا تقف عند حدود الصمت فأنا أصغي لصديقتي في صمتها فلا تبقى وحيدة ..نتجاوز كثيرا عن اغلاط وهفوات الأصدقاء لأننا بشر ولسنا ملائكة يكفي شعورنا

%d bloggers like this: