مؤلمٌ وموجعٌ أنْ تؤول أنتَ وما منحته للآخرين من عمرك وروحك إلى مجرّد محطّةٍ مرّوا معك فيها وانتهت وغدت في سفر الرّحيل، ولما وصلوا أمانَهم ووجدوا غيرك نسوك، ورسموك نهاية طريق.
قاهرٌ أنْ تجد نفسك وأنتَ مَنْ ضحّيتَ ووهبتَ وأُنهكتْ خطاك معهم ويدك في أيديهم، تعبر معهم من شوكٍ إلى أشواك وقدماك تدميك ولا تكترث؛ لأنّك واثقٌ من أمانك معهم، مِنْ وجودك فيهم، من عطائك لهم، من خوفك عليهم، من بداياتهم معك، من حكاياتك الطّويلة في ذاكرتهم، من هداياك في أرواحهم.
ولكن حينما تلفّتّ هنا وهناك ما وجدتَ يديك إلّا في السّراب، ولم يعودوا معك ولا لك تحت أيّ عنوان.
وأخذتَ تبحث عن الأمان الذي منحتهم إيّاه، وعن الوجود والبدايات والحكايات والرّسائل والهدايا والذّاكرة وطول الأعوام، فما وجدتَ سوى الفراغ وحقائب الطّرقات البعيدة التي كانت معك لهم قد تركوها وألقيَتْ بإهمالٍ على بُعدِ أزمان.
فهم منذ زمنٍ ما عادوا يعرفون لك عنوانًا ولا اسمًا ولا ذكرى لمكان.
فلا تبكِ كثيرًا، وامضِ في ذاكرة الحياة موقنًا أنّ كثيرًا من البشر لا تحتفظ العمر كلّه لأحدٍ بعنوان.
وأدركْ رغم وجع الحقيقة أنّك مجرّد محطّةٍ في عُمر الكثيرين، وستغدو يومًا بلا أحدٍ في طريقك الطّويل.
هي الدّنيا يا صديقي ستباغتك بالكثير الكثير.
15/ يونيو/2023