ظلامَ الليــلِ يا طــاويَ أحزانِ القلوبِ |
أُنْظُرِ الآنَ فهذا شَبَحٌ بادي الشُحـــــوبِ |
جاء يَسْعَى ، تحتَ أستاركَ ، كالطيفِ الغريبِ |
حاملاً في كفِّه العــودَ يُغنّــــي للغُيوبِ |
ليس يَعْنيهِ سُكونُ الليــلِ في الوادي الكئيبِ |
هو ، يا ليلُ ، فتاةٌ شُهد الوادي سُـــرَاها |
أقبلَ الليلُ عليهــا فأفاقتْ مُقْلتاهـــــا |
ومَضتْ تستقبلُ الواديْ بألحــانِ أساهــا |
ليتَ آفاقَكَ تــدري ما تُغنّــي شَفَتاهــا |
آهِ يا ليلُ ويا ليتَــكَ تـدري ما مُنَاهـــا |
جَنَّها الليلُ فأغرتها الدَيَاجــي والسكــونُ |
وتَصَبَّاها جمالُ الصَمْــتِ ، والصَمْتُ فُتُونُ |
فنَضتْ بُرْدَ نهارٍ لفّ مَسْــراهُ الحنيـــنُ |
وسَرَتْ طيفاً حزيناً فإِذا الكــونُ حزيــنُ |
فمن العودِ نشيجٌ ومن الليـــلِ أنيـــنُ |
إِيهِ يا عاشقةَ الليلِ وواديـــهِ الأَغــنِّ |
هوذا الليلُ صَدَى وحيٍ ورؤيـــا مُتَمنٍّ |
تَضْحكُ الدُنْيا وما أنتِ سوى آهةِ حُــزْنِ |
فخُذي العودَ عن العُشْبِ وضُمّيهِ وغنّــي |
وصِفي ما في المساءِ الحُلْوِ من سِحْر وفنِّ |
ما الذي ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، يُغْري بالسماءِ ؟ |
أهي أحلامُ الصَبايا أم خيالُ الشعـــراء ؟ |
أم هو الإغرامُ بالمجهولِ أم ليلُ الشقــاءِ ؟ |
أم ترى الآفاقُ تَستهويكِ أم سِحْرُ الضيـاءِ ؟ |
عجباً شاعرةَ الصمْتِ وقيثارَ المســـاء |
طيفُكِ الساري شحوبٌ وجلالٌ وغمـوضُ |
لم يَزَلْ يَسْري خيالاً لَفَّه الليلُ العـريضُ |
فهو يا عاشقةَ الظُلْمة أســـرارٌ تَفيضُ |
آه يا شاعرتي لن يُرْحَمَ القلبُ المَهِيـضُ |
فارجِعي لا تَسْألي البَرْق فما يدري الوميضُ |
عَجَباً ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، ما سـرُّ الذُهُولِ ؟ |
ما الذي ساقكِ طيفاً حالماً تحتَ النخيـلِ ؟ |
مُسْنَدَ الرأسِ الى الكفَينِ في الظلِّ الظليلِ |
مُغْرَقاً في الفكر والأحزانِ والصمتِ الطويلِ |
ذاهلاً عن فتنةِ الظُلْمة في الحقلِ الجميــلِ |
أَنْصتي هذا صُراخُ الرعْدِ ، هذي العاصفاتُ |
فارجِعي لن تُدْركي سرّاً طوتْهُ الكائنــاتُ |
قد جَهِلْناهُ وضنَــتْ بخفايــاهُ الحيــاةُ |
ليس يَدْري العاصـفُ المجنونُ شيئاً يا فتاةُ |
فارحمي قلبَكِ ، لــن تَنْطِقُ هذي الظُلُماتُ |
Tags نازك الملائكة
Check Also
يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً – أبو النواس
يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً - أبو النواس يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَمُ إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ