ضجر / الشاعر أنور الخطيب

كلما مررتُ بي في المرايا
قرأت إجابات مملّةً لأسئلةٍ أكثر مللاً،
حول من يمر بي، من أمرّ به
من يمر بنا في شرفة المنفى، في صالة السفر،
وأشعر بالضّجر،
وكلما قلت: الكلامُ أنيسُ الجليسِ
اقحمتُ نفسي في الرؤى،
أشعر بالضّجر..
وحين أستعيد وصايا طبيبي،
تحريضَه للجلوس أمام مسرحيةٍ هزليةٍ
يضحكني فيها ما ليس فيها،
أشعر بالضّجر..
وحين أذهب في الصباح إلى وظيفتي
أراني غارقاً في عالمٍ من ورقٍ
يقود إلى ورقٍ.. إلى أرقٍ، إلى نزقٍ هادئ،
تأملٍ فاشلٍ في إيقاع جملتيَ الخبيئة، صوتي المكتوم
أشعر بالضجر..
وحين يلامس النعاس أكرة الباب بعد الظهيرة،
أدخل حالماً بموتٍ مؤقتٍ..
خَدَرٍ معتّق،
يوقظني النبيذ من عنبي،
أتدلّى كعنقودٍ وحيدٍ لداليةٍ وحيدةٍ، أمام بيت وحيدٍ..
ليس فيه سوى صيفٍ مملٍ، رطوبةٍ، هواءٍ متآمرٍ وسفر،
أشعر بالضجر..
وحين يأخذني المذيع في المساء إلى جوقةٍ فارغةٍ
لسانها كلساني سماؤها كسمائي، رداؤها كردائي،
ونداؤها ليس ندائي،
أنزوي في حذائي..
خاسرا خطوةً في تلوّث الهواء، في رعشةِ البقاءِ،
أشعر بالضجر..
وحين أجبر هِمّتي للخروج من ثقب عزلتي
لفضاءٍ أعلّل فيهِ شكلَ البياضِ
أغنيةَ المسافرِ، خمرةَ الساهرين، هروبَ العابرين،
خيانة الزهورِ للعاشقين، يعتريني الحنين للحنين..
لصدر سيدةٍ تناءت في الضجر،
وأشعر بالضجر..
وحين أكتب الشعرَ في منتصف الشهوةِ
كي أُنقذني من سطوةِ الماءِ في العروق،
أجرّب ما لم يجرّب من جنونِ اللغات،
هديلِ البنات، انتفاضةِ المراهقين،
لذةِ لونِ الدمِ في ضحكة السكين،
يقودني الشعرُ إلى قصيدةٍ سائلةٍ
تذوب مفرداتُها فوق عهرِ مفرداتها
تسيل حمّى على وجه معتزلٍ لا رؤى في مداه
أشعر بالضجر..
وحين يقترب الفجر من تنفّس الصبحِ
أفتح جرحي.. كي أموت قليلا ريثما يوقظني الموتُ ثانية..
ينسحب الفجر مثل حزنِ امرأة الليل تجرّ الرجال الضّجرين بداخلها
يواجهني الضوء بارداً كطفلٍ راحلٍ إلى غمده السماوي
فاحتسي قهوتي بلا سكّرٍ كي أفيق،
يأخذني طعمُها المرّ إلى سيجارتي، فتدخّنَني..
أرقب شكلي في الدخان،
أُشكّلُ أو أتلاشى، أتكوّن .. لا أتكوّر،
تُضجرني فكرة السّفر..
ويوقظني الضجر..

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

نساء القبيلة 2 - أماني حموي

نساء القبيلة 2 – أماني حموي

نساء القبيلة 2 نعم... انا من يقفل باب القصيده السعيده.. بتنهيده.. وافتح باب الحزن على مصراعيه... ادوس الألم كما يدوسني... ولما لا اثقب السفينة.... هكذا ولدتني امي... ارضعتني من نهد العتب حد التعب.. دوما هناك ثقب ما... لم أكن يوما للبقاء سبب... لم أكن وتد..

%d bloggers like this: