صناعة الأقلام .. عاتكة العمري

جال في خاطري أن أتحدث عن موضوع الكتابة والأقلام، حيث يمتلئ العالم الالكتروني ويضجّ بمن يسنّون أقلامهم صباح مساء؛ ما بين كاتب متيم وشاعر ملهم، نص مقتبس وآخر منسوخ وغيره منقول، وهذا من يغرد وذاك من يضع ومضة أو حكمة، من يفرغ مافي جوف جمجمته من أفكار ومنهم من يفرغ مافي جوفه فقط؛ لتجد الفكرة ضالتها في بعض النصوص المقالية أو القصصية أو بعض الاقتباسات الأدبية.

لا زلت أتذكر حصة التعبير حين كانت معلمة اللغة العربية تكلفنا بالكتابة حول عنوان ما تقترحه لنا، كانت هذه الحصة التعبيرية أكبر معضلة تواجه زميلاتي الطالبات حيث يجلسن يتندرن بالعنوان ولا يعرفن كيف يتصرفن ومن أين يتحصلن على الكلمات التي سيتشدقن بها في نص سردي يروي الفضول اللغوي لمعلمة اللغة العربية، كنت بالقرب أرقب المشهد وتغمرني الدهشة، فأنا لم أخُض ذات الشعور الذي تختبره صديقاتي تجاه المادة؛ هي ملعبي أعرض فيها كتل وحجوم الكلمات المختزنة في عقلي مملوءة بالمشاعر والأحاسيس التي لا تقبل القسمة إلا على نفسها وهكذا هي المشاعر الأولى حتى في زوايا النص وعبر سطوره.
لا أقول أنّنا الكُمّل ولكنّنا على الأقل لسنا ممن يرعى في مرعى غيرنا ولانلتقط الفج من الثمر وليس ربيعنا بموسمي وإنّما هو فصل يمر في دورة طبيعية لسنوات خلت، فيها الغث والسّمين، المزهر والجاف.

في الأدب ألوان كثيرة ازدهرت قديماً وحديثاً تفوق العرب في الشعر وكان ديوانهم الأول الذي نقل حضارتهم عبر الكلمات قبل التدوين ثم ظهرت صنوف أدبية عديدة تبعاً لحاجة العصر وثقافته.
في زمننا هذا ابتكر الأوروبيون الرواية وهي صنف أدبي متطور عن الحكاية والقصة والتي حازت على اهتمام عالمي، وبالطبع هي ليست حكراً عليهم فمتى وجدت الفكرة ضالتها وأدواتها وظروفها تجسدت بين يدي كاتب عملاً كاملاً، وكما في كرة القدم فالملعب ملعبهم، مايزالون يتفوقون علينا في القفز الزمني بالفكرة لسنوات قادمة، كما هم كذلك في اقتصادهم وقوتهم وحضارتهم وهذا بالتأكيد يشكل روابطاً يشد بعضها بعضاً، حين ظهر في الغرب عمالقة كثر من الكتاب القدامى والشباب وألهموا في مجال الرواية والقصة والتي تشكل مادة صناعة السينما والأفلام فهذا الإلهام لم يأتي من فراغ، وهذا الحديث لمن يفرغون مافي جوفهم في صورة رواية أو مادة كتابية تشكل حشواً يذكرنابقصة المزارع الذي أعجبه لون العشب الأخضر في مرج جاره فجمعه في جوف وسادته لتكون أحلامه خضراء تحمل لون العشب ولم يعلم بأن هذا العشب بمرور الوقت سيتعفن، لم يصبح دويستوفسكي، تشيخوف، سيرفانتس، سيوران، ماركيز، والقائمة تطول لم يصبحوا ماهم عليها إلا بعد أن خاضوا غمار القراءة، وحدها القراءة من تصنع كاتباً نفيساً لم يقرؤوا الرواية فحسب بل هم من صنعوها، صنعوها! …كيف ذلك🤔!
إنّما صنعوها حين قرؤوا (الكتب) التي أسقطوا ما فيها على ما يكتبون أضافوا للشخصيات أبعاداً نفسية وفلسفية وأخضعوها للفكرة فتجلّت فيها الحياة بصورها، صنعوا عالماً جديداً موازياً مازال يغذي الخيال ولم نستطع نحن سوى أن نقلد وليتنا نفلح في هذا التقليد إنّما نصنع محاكاة فاشلة لبعض القصص والصور هنا وهناك وكشعوب مغمورة بالعاطفة فهي كل ما يتجلى في المشهد بل يكلله وخصوصاً مابات يعرف بالأدب النسوي.

 

مزيد من اعمالها

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

عصفور ملون / منيرة شريح

فمهما كان قصده فقد أسعدني وذكرني بذلك الكم الهائل من الأمل

%d bloggers like this: