في الثامن والعشرين من شهر أيار/مايو عام ألف وتسعمائة وتسع وثلاثين, ولد شاعرنا الكبير إبن الشاطئ بقرية الجسير الواقعة على الطريق بين الخليل وغزة. في بيت فلسطيني أصيل وميسور الحال حيث تعتبر الأسرة من أغنى عائلات المنطقة.
بدأت مسيرته التعليمية في القرية وعندما وصل إلى الصف الرابع الابتدائي, وبينما كانت العائلة تحصد المحصول في فترة الهدنة الأولى (07-06-1948م) خرق الصهاينة الهدنة الموقعة مع العرب, وهجموا على الجسير والقرى المجاورة لها, فتشرَّدت العائلة, ولجأ الشاعر مع عائلته إلى مدينة الخليل وفيها ذاق مرارة اللجوء وفي عام 1950م ذاق مرارة اليتم بعد أن توفي والده. مما ضاعف من معاناة الشاعر الذي وجد نفسه بين عشيّة وضحاها مسؤولا عن عائلة مكونة من ستة أفراد.
التحق شاعرنا الكبير في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية في سن مبكرة. ونبغ في الدراسة رغم ظروفه الاجتماعية والسياسية الصعبة. كما استطاع بفضل موهبته المتفجّرة منذ نعومة اظفره بأن يسخّر قلمه لخدمة القضية الفلسطينية وقضايا الأمة حتى أنه بات من أشهر الشعراء في الضفة الغربية في خمسينيات القرن الماضي.
ورغم كل هذه الظروف الصعبة التي أفرزتها النكبة ووفاة الوالد, إلا أن شاعرنا الفذ لم يدخر جهدا في التحصيل العلمي, وفي عام 1957م تحصل على شهادة الباكالوريا بتقدير امتياز.
بسبب انتماءه السياسي, وخطه النضالي, تعرض إبن الشاطئ للاعتقال مرات عديدة كان آخرها في صيف عام 1957م وحكم عليه بالسجن لمدة 17عاما.
فرّ من السجن العسكري بمساعدة رفاقه, وذهب إلى لبنان ليقيم فيها خمس سنوات لاجئا سياسيا. وفي لبنان عمل في تدريس الرياضيات واللغة الإنجليزية. كما أشرف على الصفحة الأدبية في صحيفة الجمهورية السعيدة وعلى عمود سياسي في جريدة الحزب التقدمي الاشتراكي.
بسبب خلافات لبنانية داخلية, وجد إبن الشاطئ رحمه الله نفسه عرضة للترحيل, فلجأ إلى سورية, ومنها إلى مصر حيث التحق بجامعة عين شمس في القاهرة ليدرس اللغة العربية وآدابها على يد ثلّة من أكبر وأشهر الأساتذة في العصر الحديث نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الدكتور عز الدين اسماعيل, والدكتور طه حسين والدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ).
عاد شاعرنا الكبير إلى سورية وفيها تزوج وفيها أيضا رزق بأول أبنائه وطبع أول ديوان شعري له وهو ديوان : “خفقات قلب”.
كان لوجود الشاعر في لبنان في نهاية الخمسينيات وبداية الستينات أثر كبير عليه وعلى شعره. فبيروت الجميلة عرّفته على أكبر وأشهر شعراء عصره. فمن الأخطل الصغير, إلى بدوي الجبل إلى أمين نخلة إلى الجواهري وأحمد الصافي النجفي إلى نزار قباني إلى أدونيس وسعيد عقل ونديم محمد والقائمة طويلة.
أما في سورية, فكانت تلك حقبة مميزة لأنها الحقبة التي انفتحت للشاعر فيها أبواب الإعلام والشهرة. كما أسس أول رابطة أدبية في سورية: “رابطة أدباء الساحل” عام 1966م, وكان عضوا مؤسسا لاتحاد الكتاب العرب في سورية.
التحق ابن الشاطئ رحمه الله بصفوف الثورة الفلسطينية منذ اندلاعها في جانفي “كانون الأول” عام 1965م وأنيطت به العديد من المسؤوليات الأمنية والعسكرية والإعلامية والسياسية. مما جعله عرضة للعديد من محاولات الاغتيال والاعتقال.
نال شاعرنا الكبير ابن الشاطئ رحمه الله شرف تمثيل الأردن وفلسطين في مهرجان تتويج الأخطل أميرا للشعراء في عام 1962م ببيروت, كما شارك في تأبينية الأديب المهجريّ جبران خليل جبران, والناقد اللبناني الكبير رئيف الخوري وفي تأبينية الأخطل الصغير ونالت قصيدته استحسان الجميع واعتبرت من أجمل ما قرئ في المناسبة. وفي بغداد عام 1969م شارك في مهرجان ألفيّة أبو تمام. إضافة إلى مهرجانات المربد منذ النسخة الأولى وحتى مربد عام 2000م. ومهرجان بابل لعدة دورات.
مثل فلسطين في مؤتمر الصحفيين العرب في بغداد عام 1978م وفي مؤتمر الأدباء العالميين في مدريد عام1982م. ومؤتمر أدباء عبر المتوسط في بروكسل.
وشارك في مهرجانات نيسان في سورية لسنوات عديدة.
وباعتباره عضوا في اتحاد الأدباء العرب, شارك ابن الشاطئ في العديد من مؤتمرات اتحاد الأدباء العرب في دمشق وبيروت وبغداد والقاهرة والجزائر وتونس والمغرب.
في عام 1970م, وبعد أحداث أيلول الأسود في الأردن, غادر ابن الشاطئ المشرق العربيّ ليحط الرحال في أرض المليون ونصف المليون شهيد. وفي الجزائر انفتحت جميع الأبواب في وجه ابن الشاطئ الشاعر والأديب والصحفي والمناضل. فعمل في أهم وسائل الإعلام الجزائرية من تلفزيون وإذاعة وصحافة مكتوبة. ويعود له الفضل في تأسيس إحدى أهم الصفحات الأدبية في الجزائر وهي صفحة : “مرايا أدبية” في مجلة المجاهد الأسبوعي والتي كانت بحق مدرسة تخرج منها العشرات من أدباء وشعراء الجزائر.
ربطت إبن الشاطئ رحمه الله علاقات وثيقة بالعديد من كبار أدباء الجزائر وعلى رأسهم شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا والذي لقبه بشاعر الثورة الفلسطينية. وعندما غادر مفدي زكريا الجزائر, بقيت المراسلات بينهما حتى وفاته رحمه الله في عام 1977م. كما كانت علاقته بالشاعر الجزائري الكبير محمد الأخضر السائحي وطيدة إلى حد كبير. ومن خلال شاعر الجزائر الكبير السائحي, تعرف ابن الشاطئ على العديد من الفنانين الجزائريين فغنوا له العديد من القصائد أشهرها قصيدة “اسقني خمر شبابي” والتي غنتها المطربة الكبيرة سلوى.
عمل ابن الشاطئ في التدريس أيضا وفي عدة ولايات جزائرية فمن وهران ومعسكر في الغرب, إلى الجزائر العاصمة وتيزي وزو والمدية في الوسط إلى جيجل في الشرق. وتخرج على يديه آلاف الطلبة في شتى الاختصاصات.
وفي الجزائر أيضا, انتخب رئيسا لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في المغرب العربي لثلاث دورات كاملة. وكان عضوا للأمانة العامة لاتحاد الكتاب الأفرو أسيويين, وعضوا في اتحاد الأدباء العالميين.
نال شرف عضوية العديد من الاتحادات العربية: اتحاد الكتاب الجزائريين, واتحاد الكتاب العرب في سورية, واتحاد أدباء العراق, ورابطة الأدباء الأردنيين. إضافة لاتحاد الكتاب الفلسطينيين.
شارك في جميع ملتقيات الفكر الإسلامي في الجزائر, ومعظم المهرجانات والملتقيات الوطنية والعربية والدولية التي نظمت فيها.
كتبت عنه العديد من الدراسات والأبحاث والرسائل الأكاديمية, وذكر في أهم معاجم الشعراء العرب كمعجم البابطين, ومعجم شعراء فلسطين ومعجم الأدباء العرب لبدوي الملثم وغيرها.
يعتبر ابن الشاطئ أغزر شعراء العرب إنتاجا على الإطلاق, فلقد كتب رحمه الله عشرات الآلاف من الأبيات الشعرية وهذا الرقم لم نسمع به لا في الماضي ولا في الحاضر. وكوَّنت هذه الأبيات 69 ديوانا شعريا طبع منها 11 ديوانا: وهي
الدواوين المطبوعة لابن الشاطئ رحمه الله:
1ـ خفقات قلب: مطبعة الشرق /حلب/ سورية1964م.
2ـ محطات على ذاكرة الزمن: مطبعة الشرق /حلب1966م
3ـ دائرة الرفض: منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيين بيروت1978م.
4ـ الزمن الفلسطيني يتجدد في البعد الثالث: دار الكاتب /بيروت/1979م.
5ـ غاليتي لا تجيد فنّ الرقص: منشورات وزارة الثقافة العراقية /بغداد/ 1983م.
6ـ ميسون وسرطان الموقف الصعب: منشورات وزارة الثقافة العراقية /بغداد/ 1983م.
7ـ اعترافات في عزّ الظهيرة: منشورات وزارة الثقافة العراقية /بغداد/ 1983م.
8ـ الحدائق المعلقة والزمن البديل: منشورات وزارة الثقافة العراق/بغداد/ 1999م.
10ـ أبجدية المنفى والبندقية: منشورات رابطة إبداع /الجزائر/ 2004م
11ـ أمّ أوفى تتجدد رغم الليل الطويل:منشورات الجزائر عاصمة الثقافة العربية/الجزائر/2007م
وفي مكتبة الشاعر 58 ديوانا مخطوطا لم يروا النور بعد, إضافة إلى العديد من الأعمال النثرية والدراسات الأدبية والسياسية والكتب المدرسية والجامعية وكتاب لقواعد اللغة العربية عنوانه: “الشامل الميسر في قواعد اللغة العربية” ويقع في ثلاثة أجزاء.
توفي ابن الشاطئ رحمه الله يوم عودته من سورية إلى جيجل ليلة 29/30 أفريل “نيسان ” من عام 2008م ووري الثرى في مقبرة ليكيتي بعد ظهر الفاتح من ماي2008م
رحم الله الشاعر الإنسان ابن الشاطئ وجعله من السابقين المقرّبين في عليين آمين.