رصاصة.. بقلم سمر الزعبي

 

هل كان قدراً؟ أم خطَّطتُ لما فعلت؟ 
من قال لها أن تواجه حبِّي؟ عرفتُ ابنَها منذ الطفولة، المريولُ الأخضـر يشهدُ لي، وسمعتي التي نهشتها بناتُ الحي، من كانت بناتُ المدرسةِ أكثرَ رأفةً منهنَّ، طوَّقن حبَّنا ببراءة، وساعدنَني على مواعدته، وكفَفْنَ عيونَ أصحابهنَّ من الشباب عني.. فأنا مُغرمة. 
لم أنل شهادةَ الثانويَّة العامَّة، رغمَ تكرارِ المحاولة، وخسـرت حلمي بإتمام تعليمي الجامعي، لكن لا تحملوا همِّي، فأنا فتاةٌ مثقّفة، وعوَّضت عن ذلك بدوراتٍ تعليميَّةٍ وتدريبيَّة. 
لم أشعر بالغيرة منه، رافقته إلى الكليَّة مراراً، وكان كلَّما خوَّفتني أمِّي، يطمئنُني أنه لن يتغيَّر علي، وكلَّما أرتْني الصاحباتُ قلوباً تتفتَّح باسمي، أعتنق اسمَه أكثر.. مرَّ العمر، وآن الوقتُ كي أصبحَ زوجةَ المحامي، وازدَدنا عمراً في الافتراض منتَظرَين موافقةَ والدته. 
كانت تعرف تفاصـيلنا كلَّها، تطَّلع على انتظارنا الذي تعطَّلت به الساعات، واستُبدلَ بها هدايةُ الشمس والنّجوم. واليومَ ترفض، ببساطة أنا مرحلةٌ، يجتازُها بالتسلِّي، اليومَ صـرت رغم ثقافتي: الفتاة الجاهلة، ثلاثينيَّة الانتظارِ والدمع. 
واختارت له واحدةً ممَّن يتدرَّبن عندَه، عشـرينيَّة العطاء، تحملُ شهادةً جامعيَّة.. يقولون إنّها جميلة، ولا أراها تعدو عن كونها قِردة، نحيلةٌ كثيراً، وفكُّها عريض، ربّما ليتّسعَ لشفتين كبيرتين ممطوطتينِ، وأغلب الظنّ أنّ بروزَهما وراءَه عمليّةُ تجميل.
ذكيَّةً كانت، صاحبتْ أهلَ بيته، بحكم الزّمالة كلُّ شـيء يهون، وأنا حُرِّم عليَّ بابُ بيتهم، أحد عشـر عاماً يلتقون بي في المقاهي، أحد عشـر عاماً من عمري يذرونَها عن عتبات قلبه. 
إعلانُ موعد زفافِهما جعل منّي شهيدة، يدوِّن اسمي آلهةُ الحب، وينقشون حكايتَنا على صخرٍ وردي.. لو تكلَّمتُ، ماذا عسايَ أقول؟ عتبي عليه كالنَّقش فوق الماء. 
هذا في سماء الحب، أما على أرض الواقع، فقد صـرت «ملطشة»، مُتنفساً لحالات الناس النّفسـيّة؛ الغيرة، الشَّماتة، الشَّفقة، الحكمة والموعظة الحسنة.. ولن أحكي عن رماد مشاعري، فلن يفهم أحدٌ شعوري كمن ذاق لوعتي، ولماذا أحكي؟ لا وقت للكلام. 
أكان قدراً أم أنني قد خطَّطت لذلك؟
لا أدري، لكنَّني فعلتُها، ولا أعرفُ كيف، ما أذكره أنَّني كنت وسطَ زحام المحتفلينَ بهما، لا تستغربوا، فقد بعثت والدتُه بطاقةَ دعوة زفافِهما إلي، ولم تنسَ أن تكتب عليها: «المحاميان». 
عليَّ ألَّا أبعدكم عن الحدث، وسطَ المحتفلين وقفتُ، وجهاً لوجه كنَّا، يداري دمعَه، وعيناه قد انتفختا، لكنَّهما لم يعدلاني عمَّا أضمرت، بثقةٍ سحبت المسدَّسَ من حقيبتي وأطلقت النار.. ثمَّ غبت عن الوعي. 
وجدت نفسـي حبيسةَ قضبان، رفضت حضورَ محامٍ عنِّي، وعدت للانتظار، لكن هذه المرَّة ساعتي تجيد احتسابَ الوقت. 
لا تظنوا أنّني أقصُّ عليكم حكايةَ مسلسل تركي، هذا ما حصل معي بالضبط: 
خرجَ من المستشفى حالما استعاد وعيَه، لم ينتظر جرحَة الطَّريَّ أن يبرأ، فقد أصابت رصاصتي موضعاً قريباً من القلب، أشعلتْ ثورةَ عواطفه من جديد، أسقط حقَّه، فسخ ارتباطَه بالعروس، وترافعَ عنِّي.. انتظرني بضعَ شهور، ثمَّ تقدَّم لخطبة فتاة ثلاثينيَّة، جاهلة، مجرمةٍ ذاتِ سوابق.. وحكمتُ عليه بالعشق أمدَ العمر.

المزيد من اعمالها

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

ستنجلي الغيوم – مها حيدر

لم يكن مفاجئًا ، صوت الانفجار ولا الدخان ولا منظر سقوط الأبنية ، كان أبي يحضن اختي الصغيرة ذات العامين ودموعه تتساقط على لحيته وقد بللت ثيابه ، الخوف في عينيه على اخوتي بعد أن فقدنا امي قبل يومين أثناء سقوط الدار على رؤسنا بعد قصف شديد أحرق الأخضر واليابس ..

%d bloggers like this: