دحبور في وقفة نقدية “قماش رمادي ” للشاعر عيد بنات

العنوان : #قماش #رمادي ؛ حامل معنى/وجمال ووجوه/ موازٍ دلالي وسيميائي للنص ووعي قارئه ، ومقابل له نحو فحوى القصيدة ومضمونها لهذا تماهى الشاعر عيدبنات مع الوانه وتعابيره الشعرية ورسمها في إطار لوحته الفنية، ففجر جنون مكنوناته الشعرية في مجازات المعنى ورسم جنة احلامه وجحيم دانتي ولامس القيمة التي أرادها لصوره الشعرية الأدبية واستحالت له الصور الشعرية الى أشياء حسية لونها بمجرات الكون ونثر حولها رملاً خائفاً في الممرات وعبقها بعطر الزهر من كل الجهات شرقا وغربا كي لا ترى وجهتها الشهية .
صور اراد رسمها باحساس رهيف وشفيف من عمق هواجسه فتقاطع السردي مع الشعري ومع الفني/المشهدي لتندغم كلها في معنى واحد وهو ذات الشاعر ، يعكس عليها مكنوناته ورؤاه وتأملاته واستبطاناته وحوارته وصوره ورسومه على مناديل اشجار لا تنام، يرسم نفسه وحبيبته مثل فراشة اطلقها كي تطير على قماشه الرمادي يذيب الليل في كأسها الأبيض الذي يعكس ضوء قلبه وحين ترتشف بشفتيها طرف الكون تتساقط الكواكب مغشيا عليها وتصطف النجوم أمام عينيها ويرسمها بفرشاة من ألف حبر ويتساءل :
من قال أن الانثى في اللوحة قد تنام ويستمر في لعبة الالون من الابيض الى الأسود الذي بلون الليل الى اللون المذهب لإطارها الخشبي ..فلونه الاسود (أنا) تتحكم فيه سيدة السرد جنية البوح التي تطفئ كل المصابيح كي ينام هو في سريرها حتى الصباح ويده في يدها .
يتجلى اللون في نص عيد بنات في وصف الأشياء ويعكس وجودها فاللون الرمادي الثنائي : أبيضاسود يعكس حقيقة الشاعر وعالمه الجواني فاللون وسيلة جمالية لرؤية العمق والجوهر فيستعين بنات بالألوان ليعبر عن عمقه العاطفي وعن جوهره الفكري والنفسي والفلسلفي والصوفي عبر ترانيم ادعيته الصوفية مستخدما لغة رمزية سريالية للتعبير عن الوانه؛ إذ بُعد اللون يتمظهر أنه المختلف ظاهريا لكن قيمته الدلالية والتشكيلية والتاويلية تشي للقارىء والمتلقي بالنهوض بهذا التأويل والاسقاط البياني ضمن كتلة نصية وكتلة شعرية توحد الحس الشعري الكلي وتماسكه النصي.
الحداثة عند عيد بنات قلق وجودي يجذب فيها قارئه بقوة فائقة نحو التأمل يسردها بقلق متجدد لا يعرف الإستقرار وعبر ضمير المتكلم الذي لا تنازعه ضمائر أخرى ومن خلال فورة إحساس الفكرة الفلسفية النفسية واللعب الدلالي في الصور والمجازات وتتراقص الرؤى الدالة في فضاء النص وكأنما ريشة عيد جناح طائر ينفذ بدموعه المبتلة بين النجوم وعبر نافذة شق كوتها من جدار لوحته.
اشار المفكر الفرنسي (تودوروف) الى اللغة الشعرية ووضح معناها ؛ “بانها اللغة التي يستعمل فيها الكاتب الإمتاع والتأثير الجمالي والمجازي في المتلقي وتعتمد في أغلبها على الخيال والتشبيه والمجاز والإستعارة والإيقاع وتطمح هذه اللغة الى الخروج عن كل ما هو تقليدي ومألوف، وتذهب الى الفرادة. فاللغة الشعرية هي لغة إيحائية وجمالية، فتتعمق في التعبير وتبتعد عن التصوير التقليدي المباشر في اللغة العادية. فغاية اللغة الشعرية هي غاية إبداعية وجمالية، تسعى للتقرب من المتلقي وتلامس وجدانه والتأثير الفني والجمالي في النص وفي ذائقة المتلقي”
فالنص الذي أمامنا استطاع شاعرنا به ان يشحذ شحناته الرمزية الحافلة بالصور الموحية وان يصل به الى مصاف العالمية واحداث حالة التوليد اللغوي الفني عن طريق نزع الدلالات الحسية لكلماته وإدراجها في انساق رمزية دلالية من خلال فنية الرسم التي يجيدها ببراعة ، مشحونا بالروح الجمالية المستعرة والفائرة بالإبداع بشكل يربك القارىء الذي يضعه على الحافة المدببة للإدراك، وعبر طاقات شعرية هائلة تتفجر من كلماتها المعاني والدلالات التي تعتمد على فنية خاصة في تركيب الصور والوحدات النصية وتفتح السبيل للتأويل والقراءات العديدة والمتباعدة في الآن ذاته ..نعم لعيد بنات هويته الشعرية الخاصة به ذات الإشعاع القوي النافذ والتي تتولد عنها انارة مفاجئة في منطقة اللاشعور فتترك بعد ذلك إنطباعا في الشعور لا يمحى كما فيها من النورانية والضوء الذي يكاد يغشي الأبصار، فعيد يجمع بين المعنى الحسي والمعنى الذهني في لمحة واحدة.
فهو هنا كالنهر لا تعيقه الصخور ولا الشوائب وهو يسكب ويقرض الشعر من ماء روحه ينام قريرا زلالا كالماء بلا لون يطير فوق الوانه واوراقه كالفراشات وينبت الزهور من خد القصيدة ويقبل فمها بالنعناع ويرش في عينيها بخور البحر كي يقاوم شحوب الوجوه الرمادية ويزهو لامعا كشمس فلسطين الحبيبة .


خالص محبتي لك ايها الشاعر الماتع المتعب
رفيقك : أحمد محمود دحبور


#القصيدة
#قماش#رمادي/ عيدبنات


أرسمها…
على قماش الريح
على مناديل أشجار لا تنام
أرسمها بألوان لا تخاف الليل
أذيبُ الليلَ في كأسها الأبيض
وحين ترشف بشفتيها طرف الكون
تتساقط الكواكب مغشيا عليها
تصطف النجوم أمام عينيها
وحين أمدُّ الفرشاة نحو جدائلها
ينكسر قمرٌ أبيض ويسيل ضوء لذيذ فوق جبينها
ألقي
في زاوية اللوحة نهراً عسليًا
أسكب فيه ماء روحي
وأدعيتي المطلية بالنعاس
كي ينام قريراً بلا لون…

أرسمها
مثل فراشة
أطلقها كي تطير على القماش
من فمها ينبعث همس النعناع
أجلسها على عشب البهجة
أرش في عينيها
بخور البحر
ألونها بكحل المجرات
أنثر حولها رملا خائفاً
في الممرات،
وزهراً… وشرقاً وغرباً
كي لا ترى وجهتها الشهية.

أرسمها
بفرشاة من ألف طير
برفرفة فجرية…
أطلقها نحو السماء
أُسكنها في بروازي السحري
وأنام حول جدرانها المزركشة بالدعاء
من أجلها
أطفأت كل المصابيح،
كي أنام في سريرها
حتى الصباح.

كيف أنام
حين يتجمهر لونها على خدي
وتمد يدها على يدي
وحين تحلّق كل طيور الليل على صدري
أركض مذعوراً في ممراتها
لكني أصدم بالخشب المذهب
حول خصرها…
من قال أن الأنثى في اللوحة قد تنام
حين تقطف الكواكب من جدائلها مثل التفاح…
أنظر للأفق المبتل بدموعي
من بين النجوم
لأرى من نافذتها المعلقة على الجدار
كرسياً خائر القوى،
وغرفة رمادية
أرى وجهاً شاحباً ينظر إلي
أراني في اللوحة رمادياً بلا عينين
رشة لون أسود
من يرسمني أنا
والريشة في يدها
وهي ما تزال
مثل جنية مسروجة باللون
تحدق بي …
وأنا
منذ خلقت غريباً عنها
لم تمسسني الألوان



عيد بنات

اللوحة للفنان ابراهيم العطيات

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

قراءة لقصيدة الحج لغزة للشاعر ماجد النصيرات – زكية خيرهم

لحج لغزة هذا العام يكفيكَ نصراً إذْ وقفتَ شُجاعا و ركبتَ موتاً للحياةِ شِراعا يكفيكَ نصراً في السمُوِّ مهابةً و بكَ الرجالُ سيقتدونَ تباعا

%d bloggers like this: