الحقيقة العارية

يحدث في أرض الرباط – د. ريمان عاشور

يحدث في أرض الرباط – د. ريمان عاشور

يحدث في أرض الرباط - د. ريمان عاشورأولئك المكلومون يرفعون رؤوسهم إلى السماء يخاطبون الله عزَّ وجل: خذ منَّا حتى ترضى.. خذ من أولادنا حتى ترضى.. ثمَّ يشهدونه ويلحُّون عليه بالسؤال: يا الله هل رضيت!

كيف اتسع -آي القرآن الكريم وأحاديث سيّدنا خاتم النبيين- كيف تمدَّد المعنى في أفئدتهم إلى حدِّ الثبات كالجبال والمرابطة كالخيول!!
ومن منَّا لا يدرك قيمة المال ووزن الضنى عند بني البشر!
ومن منّا لا يعلم علم اليقين شعوره كيف لو أصيب أحد أولاده بجرح بسيط.. فكيف يجمعون أشلاء فلذات أكبادهم بإيديهم !
كثير من النساء في المطبخ يخشين تقطيع لحم المواشي والطيور..
يا الله!!
كيف لو حملنَ لحم أبنائهن في أكياس!!
وكثير منا يشمئز من رؤية الطير ينتش لحم ميتة في الطريق ويشيح بوجهه عن مثل هذا المشهد.. فكيف لو أننا نرى أجساد أكبادنا تنهشها الكلاب والقطط !
ومن منّا لا يخشع ويرفّ قلبه في حضرة الموت كلما مرَّ بمقبرة واستشعر حتمية نهايته.. فكيف لو مررنا بهم فألفيناهم نُبشوا وعلوا تراب الأرض..
لذلك أجد اللغة لا تقوى على التعبير عن الحادث وتداعياته وتفاصيله.. أجدها عاجزة..
وأستشعر بالمفردات تصرخ من فرط ضيقها على المعنى..
وأشاهد اللون الأحمر ينتصر على كل الألوان فتتراجع أمامه خجلة مطأطئة..
أما كلمة (الرباط) فلولا أن الرسول عليه السلام قد اصطفاها من معجم العربية لحدثتني نفسي بأنها ما عادت تعبِّر بحق عن معنى المعنى..
بيد أنني أعلم أن اللغة كالكائن الحي تتطور وتفقد بعض ثقل معناها أو تكتسب ثقلًا جديدا مع الزمن.. وأن كلمة رباط عند الثغور كان لها دلالتها ووزنها العُرفي والجهادي في زمن يشبه كثيرًا ما يحدث في أرض الرباط حين لا تتكافأ القوى إلا أن النصر والثبات من عند الله عزَّ وجل..
ألا تفكون عنا الحصار يا أهل العزَّة! وهلَّا تخففون عنَّا شدة الألم ونحن نرى ونسمع لكننا كالمسامير المدقوقة في جدار..

د. ريمان عاشور

٢٢-١٢- من عام الطوفان

About Abdulrahman AlRimawi

Check Also

الصداقة – أعتماد سرسك

الصداقة الحقيقية لا تقف عند حدود الصمت فأنا أصغي لصديقتي في صمتها فلا تبقى وحيدة ..نتجاوز كثيرا عن اغلاط وهفوات الأصدقاء لأننا بشر ولسنا ملائكة يكفي شعورنا

%d bloggers like this: