قمر الحصّادين – بقلم انعام القرشي
عبدالرحمن ريماوي
14 يناير، 2019
انعام
305 Views
أيها الأصدقاء، من أراد منكم أن يمتطي صهوة الفرق بين العلم والأدب، فليفعل ذلك، ويرافقني إلى حقل التجارب، بدل أن يظل أسيراً للنظر إلى شجرة الشك التي تحجب غابة اليقين..
قالت المعلمة لإحدى التلميذات: أريد أن أعرف ما هو ما السبب الحقيقي وراء رسوبك في مادة الرياضيات؟!
أجابت التلميذة وهي تنظر إلى الأسفل: إنه السبب نفسه الذي يدفع والدي للصراخ في كل يوم، بوجه مذيع نشرة الأخبار، ويمنع والدتي من التعقيب على ذلك بأكثر من السكوت.
أعني: الحكومات المتعاقبة.
لقد أفصحتْ عن ذلك وفي ذهنها تجربة رفيقتها التي تفوّقت في الفيزياء، وأخفقت في الحب.
يشيع بيننا في هذه الأيام، ما يتداوله الكثيرون من قصص النجاح المتنوعة حول العالم.
أدرك بدوري أن هذا يدلّ على تعطّش الإنسان العربي للنجاحات التي تكاد تكون مفقودة في بلدان العالم الثالث المسمّاة بالدول النامية، ولكن!!
ماذا فعلنا من أجل أن نروي ذلك النوع المستحكم من العطش؟!
الجواب في نظري: لا شيء سوى الكلام المرسل، عن الأحلام الوردية المعلّقة في الفراغ..
يقول “برنارد شو” : “التقدم مستحيل بدون تغيير، واولئك الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون تغيير أي شيء”
نحن الذين نشدّ عربة التقدم إلى الوراء.. أحياناً، بقصدٍ يتجاوز كل حدّ.. وأخرى، بلا قصد؛ على خلفية الجهل شبه التام بحقيقة ما يجري من حولنا، وكأنه لا يعنينا في شيء. هنالك إصرار على مصادرة أي رأيٍ جديد، من شأنه تحسين شروط هذه (اللعبة) الارتكاسية.
لقد وصلنا إلى القمر، ربما قبل سائر الأمم الأخرى، ولكن، على متن مركبةٍ عاطفيةٍ اسمها الشعر.. ففضاء خيالنا مشغول بضحكة الحبيبة التي ليس لها وجود إلا فيه.
تباً للأيدي السوداء، التي تنثر الأشواك في طريق السائرين على خطى الأنبياء، والفلاسفة، والعلماء، والفنانين، والأدباء.
هذا النوع من الطرق، لا تعبّده آليات البلديات، بل آليات التصميم على الوصول إلى نهايته بأي ثمن، حتى لو كان الحياة ذاتها.
الحياة التي لا يليق بنا كبشر، أن نحيلها إلى خادمة تنظّف آثار ما نخلّفه وراءنا من عبث.
ماذا ننتظر من ماكينة واقعنا البائس، البدائية المتهالكة، أن تُنتج:
الحواسيب، أم الأراجيل؟ الطائرات، أم الحلويات؟ المعارف أم العواطف؟
ما أعرفه جيداً، أن منارة الحضارة، لا تُبنى بالعاطفة التي تهب علينا فجأةً كالعاصفة.
لاحظوا أنّ كلّ واحدٍ فينا يتحدّث عن (أزمة الوجود) وكأنه ليس جزءاً منها. لقد قلت هذا من قبل، وسوف أظل أردّده حتى يطرده واقع الحال من الحيّز الذي يشغله في قناعتي.
وإذا ما قمنا بعمليةٍ إحصائيةٍ تحليلية، في هذا السياق، فسوف نكتشف بأن النتيجة هي:
ان الكل ينظر إلى الكل، بعينٍ من عدم الرضى.
وهذا ما يجعل الناتج النهائي، لهذه المعادلة الاجتماعية الاستلابية، دائماً هو: الصفر
تعالوا إذن إلى كلمةٍ سواء:
كيف لنا أن نحجر على عقول أطفالنا، ونضعها في قوالب فكرية جاهزة، ثم نطالبهم بالتفوق والإبداع؟!
ولماذا نتوقع أن نحصد نتائج مختلفة، رغم أننا نزرع الأسباب نفسها في كل مرّة؟!
حينما نقف بلا حولٍ ولا قوة، لنشهد السباق الحضاري، في مضمار العالم اليوم، كمتفرجيّن مهمّشين، فقد يكون من المفيد أن نلجأ إلى تبسيط الصورة المنظورة، لا إلى تعقيدها.
من عادة المتسابق الذي يريد أن ينطلق إلى الأمام بسرعة، أن يعود عدّة خطواتٍ إلى الخلف.
فلماذا لا نفعل نحن ذلك، ونعود قليلاً إلى “قمر الحصادين؟
ثم، ومن هناك، يمكننا الانطلاق نحو المستقبل، بوعيٍ إيجابيٍّ مفارق، وقوة تغيير حقيقية، وإيمانٍ عميقٍ بقدرتنا على تحقيق الآمال، مهما بلغ عرضها.
إنه لمدعاةٌ للشفقة، والحيرة، والغضب، معاً، أن يصرّ أحد “الصيادين”، على ألقاء شبكته في البحر الميت، متأملاً أن يحصل يوماً على السمك!!
ربما يحدث ذلك، بعد إنشاء “قناة البحرين”، ولكن السياسة العدوانية الخرقاء، ما زالت حتى الآن، تلجم خيال الماء..!!
علينا الانتباه جيداً، فهنالك فرقٌ شاسع بين الأحلام والأوهام. أما الأمل، فله عملٌ خاص يقوم به، ويخطىء من يكلفه بالقيام بعمل آخر ليس من اختصاصه.
يحدث أن يطلب الوالد من ولده بأن يحضر له كأساً من الماء، فيتعثّر الطفل بلعبة شقيقته. حينها، تقوم القيامة ولا تقعد، حتى تخلّف عقدةً في نفس كلٍّ منهما. مثل هذه العقد الصغيرة، ربما تكبر مع الأيام، ويحملها أولئك الأغرار معهم إلى آخر العمر.
وقد تظهر في مواقف حياتية مختلفة، معبّرةً عن نفسها بأبشع الوجوه، وأسوأ والاحتمالات.
هل تصدّقون، أن بعض العقد النفسية، قد تكبّل الإحساس بالزمن داخل الإنسان؟
وهذا ما يجعله غير قابل لأن يكبر كما يجب؛ فيصبح عمره الزمني أكبر من عمره العقلي!!
ليس من المُستَغْرَب، أن يعثر أحدنا، على جرحٍ في كفّه، بفعل شظايا الزجاج المتطايرة من كأسٍ مكسورة، حتى لو حدث ذلك منذ سنين.
لأنه بالأساس، جرحٌ في الإحساس.
أما ما يمكن أن ينقله إلى اليد، عبر مسالك سيكولوجية وعرة، فهو عادةً ما يتعلق بالحذر غير المبرّر، أو الخوف من التجريب، أو الشعور بالعجز، أو التعرّض للقمع، أو بلوغ مرحلة اليأس. وقد يعود ذلك – طوعاً وكرهاً- إلى كل ما ذكر.
أصدقكم القول: لم أشهد (الموضوعية) من قبل، وهي حزينة إلى هذا الحدّ!!
بدموعها، تفضح عقوقنا بها.
نحن نخسر الوقت الذي كان من الممكن أن نربح فيه أنفسنا.
وهذا ما يجعل الزمن أكثر حزناً علينا، منها ومنّا.
أرجوكم، افتحوا لهذه الحقيقة الساطعة، أبواب عقولكم، ونوافذ قلوبكم، واجعلوها تأخذ مكانها الصحيح والمريح في دواخلكم، لأنها عندها، سوف تحول دون أن تستحيل الأماني إلى أحكام، أو أن يملأ سرابُ الأوهام جرابَ الأحلام.
“مواطن عربي”
Like this:
Like Loading...
Related