عبدالرحمن ريماوي 13 فبراير، 2021مقالاتالتعليقات على اللغة العربية والفكر / د. ريم سليمان الخش مغلقة479 Views
لاشك أنّ الإنسان يفكرُ بعقله قبل أن تترجم أفكاره لغته ..وأنّ الأفكار قد تتزاحم أحيانا في رأسه دون أن تسعفه الكلمات للتعبير عنها…ولكننا رغم هذا لايمكننا التفكير خارج اللغة فاللغة والفكر وجهان لعملة واحدة (كما يُربط دماغ المرء بلسانه) إذْ أثبتت التجارب العلمية أن إصابة مناطق في الدماغ تؤدي إلى عجز اللسان عن النطق. ومنه فبقدر مانملك من أفكار نملك من ألفاظ وإنّ ازدياد الثراء اللفظي يؤدي إلى ازدياد الأفكار وتوليد الجديد منها … وفي دراسة على أطفال إنكليز وأطفال عرب وجد أن نسبة الذكاء لدى الإنكليز أكبر لأن المفردات أوسع بينما الأطفال الصغار العرب تنطق أمهاتهم بالعامية التي هي لغة قليلة المفردات وهذا مايؤثر سلبا على الذكاء ( فعلينا أن ننتبه إلى هذه الناحية وأن نتكلم بالعربية الفصحى في المنزل وفي كل حين) هنا ألتفت إلى أطفال وطني سوريا وخاصة أطفال المهجرين وأطفال المخيمات لأستنتج أنهم ضحية بلا شك ( وبسبب الطاغية) لتدهور فكري وثقافي كبيرين مما يؤدي إلى تدهور مستوى الذكاء في شريحة لايستهان بها تعرضت إلى التهميش والفقر والعزلة ولم تزاول إلا الكلمات العامية اليومية الفقيرة … . صحيح أنّ طبيعة حياة أجدادنا العرب كانت صحراوية ومعظمهم أقوام رحل إلا أن لغتهم كانت العربية الفصحى وهي لغة ثرية تتمتع بكثرة المفردات إضافة إلى تعدد المعاني في استخدام كلمة واحدة فضلا على دقتها فلقد كان للكلمة مكانتها عند العرب فلا توظف جزافا في غير موضعها ونذكر هنا حادثة شاعرنا العبقري (وهو صبي صغير )طرفة بن العبد حين سمع المسيب بن علس يلقي قصيدته ووصل إلى :
وقد أتناسى الهم عند احتضاره …بناج عليه الصيعرية مكدم فرد عليه طرفة بن العبد بقوله:”استنوق الجمل” أي جعلت بقولك هذا الجمل ناقة… لأن الصيعرية علامة كانت توضع في عنق الناقة وليس في عنق الجمل. إذن طبيعة حياة العرب أعطتهم ملكة التفكير المجرد ( التاتج عن كثرة التأمل في الكون والطبيعة ) إضافة إلى أنها ملكة فطرية ميزهم الله بها …يكفي أن تستعرض بعضا من قصائد الأجداد لتدرك قوة محاججتهم المنطقية وصواب استنتاجاتهم وحكمتهم الدامغة الخالدة عبر العصور . ( وإني أرى أنّ كثرة التشبيهات في الشعر العربي دليل قوي على نبوغ العقل المجرد وإيجاد العلائق بين الأشياء المتباعدة حسيا والمتشابهة فكريا .. ومافقدان الشعر المعاصر للتشبيهات إلا لضمور في الذهن وثقافة الإستهلاك السريع …أتركه لموضوع خاص مع الشرح والأدلة ) . تركيبة العقل العربي المتأمل والمجرد.. ساعدتهم على تقبل الكم الهائل من المعلومات الكونية وطبيعة الأرض بمكوناتها تسليما(من دون برهان ) حين جاء بها القرآن ولم يتوصل العلم الحديث إلى برهان( بعضها ) إلا في العصر الحديث ( على سبيل الذكر نظرية الإنفجار العظيم والتي ذكرت بالقرآن ((وإنا لموسعون))..)مع غيرها من الحقائق المثبتة …هنا أتعجب لم غفل عنها علماء العرب الأوائل وتركت ليبرهن عليها علماء غربيون في عصرنا الحديث ( مع أن مفتاحها هو فقط توسع الكون!)… . ماأريد أن ألخصه : بما أننا نفكر عبر الكلمات وأن الله حفظ هذه اللغة تكرما ( حين أنزل كتابه بها ) أي أن الله عز وجل وهو خالق هذا الكون العظيم فكر من خلال لغتنا العربية ..فاللغة العربية إذن قادرة على استيعاب كل فكر دون هذا الفكر المطلق! … أذكر مثالا عن ثراء هذه اللغة توظيف فعل قضى في القرآن الكريم (على سبيل الذكر لا الحصر!) (1):(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) قضى هنا بمعنى أمر – (2):( ثم قضى أجلا وأجلٌ مسمى عِنده ) قضى هنا بمعنى أمرَ – (3):(وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) قضى هنا بمعنى أعلمنا
– (4):(وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَٰلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَٰؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ ) قضى هنا بمعنى أوحينا – (5):(وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) قضى هنا بمعنى فصلَ – (6):( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) أي خلقهن سبع سماوات – (7):( يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) أي ليميتنا ربك – (8):( فوكزه موسى فقضى عليه ) أي قتله – (9):( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون )أي إذا أحكم أمرا – (10): ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه )أي من قبل أن يبين لك المراد . فاللغة الفصحى لغة ثرية تستحق الاهتمام والبحث والمثابرة على تطويرها ولا اقصد هنا التطور اللغوي الذاتي السلبي الذي يطرأ على اللغة من خلال انتشار اللهجات المحلية وسط العامة مكان اللغة الأم ..فذلك يؤدي طبعا إلى تشويه بيانها الأصلي وكسر قواعدها الصرفية وصيغها التركيبية (وهذا علينا أن نتحاشاه مااستطعنا )….
إنما قصدت تتطور اللغة ( تطورا واعيا إيجابيا) بواسطة حشد من الأدباء والمفكرين والشعراء واللغويين العاملين على ابتكارات لغوية جديدة وإثراء المعاجم اللغوية بالمصطلحات والألفاظ الجديدة المواكبة للعصور الحديثة.. إن أعمال هذه النخبة ( إن وجدت) تدفع بعربة اللغة إلى الأمام …. ولقد حفظ الله عز وجل اللغة العربية حين اصطفاها لتكون لغة القرآن الكريم شريطة أن نتعلمها وأن نعلمها للأجيال اللاحقة . فلا نفرط بها ونهجرها أو نهجنها أو نستصعبها وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من الإنسداد الفكري المرعب الذي نحن فيه آملين أن نجند أنفسنا وأفكارنا وإبداعنا لخدمتها رغم حقد الحاقدين….