نغادرُها ولا تغادرُنا ..بيوتُنا القديمة ….
هل لأنَّ هندستَها تقوم عل أساسٍ عاطفيّ ؟!
فكلُّ بيتٍ يسندُ خاصرةَ البيتِ الآخر ، وكلُّ شرفةٍ تمدُّ يدَها للشُّرفةِ المقابلة !
أمْ لأنها لا تكتبُ وتمحو أسماءَ نزلائِها كالفنادق ، وتسكنُها رائحةُ البقاءِ كما يسكنُ اللهُ وجهَ طفلٍ جميل ؟
صعبٌ اقتلاعُها من عصَبِ القلبِ ، وهي التي أمسكتْ بعناوينِ الريح ، ولم تتخلَّ عن حبّةٍ واحدةٍ من ( مسبحتِها ) .
قد تركَبُ بساطَ الريحِ ، وتمتطي المجهولَ ، وتُغمِدُ ريشَكَ كسنونوةٍ شاردةٍ في فيروزِ السّماءِ ، وتقابلُ شمسَ الشموسِ ، لكنها لن تفكَّ حصارَ جليدِكَ حتى التناثرِ .. حتى التبعثرِ .. حتى التبخُّرِ .بل ستُحيي هشيمَك .. !
وبين هذا وذاك ….
ثمّةَ أوركسترا صاخبةٌ من أشجارِ الزيتونِ والبلّوطِ وشتولِ الحبق والوردِ البلدي والزعتر البرّي تصدحُ وتتصاعدُ ، ليلكةٌ تمشطُ شَعرَها البنفسجيَّ وترمقُكَ بابتسامة .
همزَ لكَ شيطانُ الحنينِ ، فتهاوتِ المشاهدُ في عينيكَ كأشجارِ الخريفِ المتكسّرةِ تباعاً…
كيف ستلملمُ زجاجَ القلب ؟! وأنتَ تمشّطُ الأمسياتِ و الضحكاتِ والأحاديثَ عبارةً عبارةً ، وبين الفواصلِ تمُرُّ طفولتُكَ … مراكبُكَ الورقيّةُ ….داليةٌ تسللتْ لحضنِ نافذتِك .. بوابتُكم العتيقةُ ..
تطالعُكَ وجوهُ من تُحِبُّ ..أمُّكَ .. الكاهنُ الكبيرُ الذي يقيمُ للحنان طقوسَ عبادةٍ … أصواتُهُمُ المبعثرةُ في مهرجانِ حياةٍ ، عيونُهُمُ المتوجّسةُ من الرّحيل …
مغروسّ أنتَ هناكَ كوتدِ خيمة ….!
تقعُ عَبَراتُكَ في مأزقٍ، وترمي الدُّميةَ التي كنتَ تقتلُ بها الوقتَ .. الوقتَ الذي استغرقَتْهُ دمعةٌ خانَتْك.. .
يا لملوحةِ الذكرياتِ وطعمِها الحارقِ الحاذقِ …!
كيف أشعلتْ حطَبَ رأسِكَ دفعةً واحدة ؟!
كيف فتحَ الماضي نافذتَهُ في وسادتِكَ الجديدة ؟!
أيُّ هَرَبٍ هذا؟!
إنّها مسكونةٌ فيك ، ولم تغادِرْها أبداً …. بل غادرتَ بها ….
# 𝓡𝓮𝓮𝓶𝓪