عجوز يتحدى التتار
العجوز الفلسطيني، ب”قمبازه” المقلم وكوفيته وعقاله المقصب.قرر يصلي في قدس الاقداس الصلاة الجامعة.لم يسمح له “التتار”.فأَبى إلاَّ أن يسافر ويصل ويضحي.لم يأْبه لا ب”هولاكو” ولا بالموانع كلها. كان له ما سعى.وراح ينتقل من خلف الحواجز المتناثرة على طريقه ،فتخطاها بسلام .عمى الرب عيون الجنود عنه.وبينما كان يصعد دربه المحاذي للسور الغربي. أحس بالارهاق. فجالس الرصيف. والعرق يقطر من انفه.خلع الكوفية و”وهوَّى” بها من شدة حر تموز، على وجهه. وتذكر اغنية قديمة ل”ناظم الغزالي” فراح يتحسس شيبه الداكن مثل رماد سيجارة،أخذ بحنان يدندن : “عيَّرَتْني بالشَّيْبِ وهو وقارُ….”.وفي كل محطة قرب الاسوار،كان بصوت رخيم يغني من اغاني الثورة.توقف أخيرا عند فتحة السور. العجوز تاريخ وذاكرة. وفلسطين لم يترك مكانا فيها الا وزاره زمن الانتداب.حتى البحر تصيد منه السمك في يافا وعكا وغزة. وغسل في مائه اقدامه .تراءَت له ايام الاتراك. يوم عصت بوابة الخليل الاوامر فلم تسمح لعربة” غليوم الثاني”وزوجته اوغستا فكتوريا بالمرور. فأمر الوالي بردم قسم من السور ارضاءً للخيول الأربعة ومن في العربة.لعن غليوم واليوم الذي اتى به للمدينة.وصب لعناته على الوالي والسلطان.وراح يلعن الاعيان والوجهاءَ، الذين التقوا في ساحة “القشلة” واستمعوا الى ادموند اللنبي يخطب فيهم،يؤكد انه جاءَ محررا،كما قالها نابليون لشعب مصر يوم غزاها. وخص بلعناته كل من ضرب كفا بكف حين قال :”اليوم انتهت حروب عام 1099″.أُعجب العجوز بالبوابة “الشهمة”ترفض ان تدنسها تيجان المحتلين وحوافر خيلهم.لعن بصوت مزلزل من سلم مفاتيح المدينة للانجليز. وهبط متثاقلا،وفي رأسه ألف فكرة وفكرة ما بين ماض وحاضر. دلف عتبات الحرم منتشياً توضَّأَ وصلى صلاةَ الجمعة. دعا واستدعى. وكما جاء المدينة عاد منها.وفي طريق العودة كان يشعر بفرحة الانتصار على التتار،لكنه يعرف ان تلك الحروب على اقصاه تواصلت ولا تزال مستعرة في أوطاننا اليوم بأيدينا.
(ماجده الريماوي
١٥-٤-٢٠٢٢