جميل ابوصبيح

جميل ابوصبيح – لم تعد قصيدة النثر خنثى هجينة وساكنة

جميل ابوصبيح – لم تعد قصيدة النثر خنثى هجينة وساكنةجميل أبو صبيح

جميل ابوصبيح

لفتت نظري شهادة الكاتب الصديق رامي الجنيد بمقولة محمود درويش عن قصيدة النثر ” أنا أعتقد أن قصيدة النثر هِيَ أحد أهم إنجازات الشعر العربي في العقدين الأخيرين في الكتابة العربية.” .

نعم ، انطلق درويش من قاعدة وعيه المنفتح العميق لتطورات الإبداع الشعري والكتابي العربي ، مع أنه لم يكتبها رغم أنها موجودة من قبل ، لكنها سُجنت في قمقم عدم التطور، فتحولت إلى قصيده غير متحركة إلى أن اتهمها بعض النقاد بالسكون والعجز عن التطور، وقالوا عنها إنها تراوح مكانها “محلك سر”، إلا أن قضية العجز وعدم التطور ليس من قصيدة النثر وإنما من الشعراء كما أوضح الناقد فخري صالح وهو من أهم نقادها ومنظريها العرب في إحدى كتاباته عن سكونية هذه القصيدة ، فشعراؤها لم يستطيعوا إخراجها إلى فضائها الشاسع وتحريرها من القمقم الذي أسرها وقيدها إلى أن أظهرْتُ ـ جاداً ـ “السرديات الشعرية ” في المرحلة الأخيرة والحمد لله ، ونجحتُ في ترسيخ مفهومها وتجسيدها في الشعرية العربية بطباعة وصدور كتابي ” سرديات مضيئة ” عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة عام 2017 .. ، وفَور صدوره لفت أنظار النقاد والدارسين الأكاديميين إليه ، فالّفُوا دراساتهم الجامعية المحكمة التي رأوا أن فيها لغة شعرية بصرية جديدة مستفيدة من التقنيات البصرية المعاصرة ، نشروها في مجلات محكمة، نال بعضهم درجات علمية بعد محاكماتها محاكمة علمية ، أشار إلى هذا النقادُ المخلصون لقصيده النثر وحيثياتها ، منهم الدكتور عبد الرحيم مراشدة والدكتور ناصر شبانة ،والدكتور عبد الفتاح النجار ، والدكتورة نهلة الشقران ، والدكتورة ماجدة صلاح ، والدكتورة ديانا رحيل ، وكان الدكتور صالح الخزاعلة قد أنجز منها متطلب رسالته للدكتوراة في الجامعة الهاشمية بدراسة الموسيقى الداخلية لسردية قصيدة ” شجره الكون” ، والدكتور عبد الفتاح النجار في مقدمة رسالته الدكتوراة للجامعة اللبنانية ، والدكتور زياد أبو لبن .. إلى أن ظهرت لغتها الشعرية الجديدة بتكويناتها الجديدة أيضا المعتمدة على لغة البصريات الشعرية ، ثم تكرّست على الساحة الشعرية العربية على أنها تكوين جديد يختلف عما سبق في قصيدة النثر، حيث قال بعضهم إنها ريادة جديدة لهذه القصيدة أخرجتها من قمقمها ، ونسجت لها أجنحة قوية حلقت بها في فضاءاتها الشاسعة ..
كما انني اعتقد أن مسمى سرديات شعرية الذي أُطلق على قصيدة النثر الجديدة ذات اللغة الشعرية البصرية جاء بديلا عن المسمى الذي أطلقه المرحوم الشاعر والناقد الكبير الدكتور عز الدين المناصرة وهو ما دعاه عن قصيده النثر پأنها “القصيده الخنثى” ، بينما أطلقْتُ عليها بشكل تأكيدي بديلا يَحلُّ وينهى مسمى القصيدة الخنثى ، هذا المسمى البديل هو قصيدة السرديات الشعرية أو السردية الشعرية ، وجاء تأكيدها وبيان هذا التأكيد وظهوره في كتابي “سرديات مضيئة ” الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2017 ومفردها ” سردية شعرية ” وتعني قصيده نثر..لكنها ليست بثياب خنثى ..

فلفظة خنثى تحمل الازدواجية في داخل الذات الواحدة ، أو في الجسد الواحد ، فيه ذكورة وأنوثة مزدوجة ، فقد يحدث التخصيب داخل الجسم ، بمعنى أنْ هل هذا ينطبق أيضا على القصيدة !!؟
المعروف أن كلمة خنثى ـ آدميا ـ تعني أن من يتصف من الناس بهذه الصفة يكون إنسانا عقيما ، لا يتوالد إلا في حالة واحدة هي أن يتحول من الأنوثة إلى الذكورة أو من الذكورة إلى الأنوثة لوجود أعضاء تناسلية إضافية داخل جسمه تتكون من أعضاء تناسلية ذكرية أو أنثوية عليه التخلص من إحداها ..

، هذه قصة علمية طبية ، ولكنها موجودة في حيوانات أخرى كالأسماك مثلا وهي علميا معروفة .. إنما أعني هنا بوجود كلمة ” خنثى ” في قصيدة النثر أنها تحمل ازدواجية شعرية من النثر ومن الشعر، باعتبار أن الشعر يبين ما في داخل اللغة العربية من مَواطن شعرية وجمالية ، بينما كثير من النقاد من رأى أنها قصيدة هجينة ، بمعنى أن بها الشعر والنثر الفني والسرد ،
اما الشعر فهو معروف بموسيقاه الخارجية ونظمه سواء كان بيتيا او من الشعر الحر قصيدة التفعيلة ، لكن السرد والنثر الفني صفة تدخل ضمن إطار النثر..
النثر الفني مثلا كلام جميل يحمل كل صفات النثر بما فيها التبرير والذهنية المُفسِّرة والشرح وما إلى ذلك .. ،
أما السرد ففيه تكثيف وتلقائية ومنطق وما إلى ذلك ، ونسمي من يكتب في السرد بخاصة القصة والرواية “سَرّاداً ” وأحيانا نسميه ب “الحَكّاء ” وهذا من لغه السرد ،
ولكن دخول كلمة السرد إلى مفهوم قصيدة النثر أعطاها صفات فردية تختلف عن السرد ، فهو يدخل إلى الشعر بمفهوم االشعر فقط ، مبتعدا عن الموسيقى الخارجية ومكوناتها ..

أما في نص السردية الشعرية يتم تكوين القصيدة بمستلزمات القصيدة وتطوير لغتها خارج خارج الموسيقى الخليلية ، وبالتالي ظهرت من خلال هذه المكونات ” السردية الشعرية ” فكانت قصيده النثر سردية شعرية ، وبالتالي تسميتي لها ولمشروعي الشعري الخاص في قصيدة النثر ب “السرديات الشعرية ” مما أخرجها من قمقمها متحررة من عقمها وسكونها ، محلقة في فضائها الشعري الخاص الشاسع ، بلغة بصرية جديدة تستكشف جغرافيا أخرى في الشعرية العربية والعالمية ، باعتبار أن الشعر لا يقتصر على لغة واحدة ، وإنما مفتوح على كل اللغات بالتأثر والتلاقح والتواصل .. ، وبالتالي فهو كائن حي .. نهر واحد ثَرٌّ يتدفق في دماء الأمم بما فيها نحن منذ ألاف السنين ، وليس منذ عقدين مرهونين بحركة قصيدة النثر في الخمسينات ومجلة شعر في الستينات ..

About abdulrahman alrimawi_wp

Check Also

لا ليلنا ليل ولا نهارنا نهار – فاطمة شريح

تستنفزف أعصابنا ...وطاقاتنا ...وتموت بأعيننا كل بهجة أومت لنا بحضور ما ....الا أن هذا الصباح شق من فمي ابتسامة ....استغربها من حولي وقد اعتدوا وجومي وقلة كلامي

%d bloggers like this: