بطاقة بحث عن ” والدي ” في عيون الذكرى / بقلم : سفانة بنت ابن الشاطئ
عبدالرحمن ريماوي 2 أبريل، 2019سفانةالتعليقات على بطاقة بحث عن ” والدي ” في عيون الذكرى / بقلم : سفانة بنت ابن الشاطئ مغلقة371 Views
أيتها المسافات .. دعيني أحرر مفرداتي من سلاسل الكلمات المنمقة وأعود طفلة تمشي على أسوار الذكريات .. تلتقط من التاريخ أجمل البطولات .. حيث ترسخت أسماء أبطالها في سجل العز وفي عمق الذات.. جزائري الحبيبة نعم حبك أدمنته منذ الصغر .. فأدراج ذاكراتي تكتظ فيها الصور .. و دفتر يومياتي ملونة صفحاته بألوان الشوق .. و أحبة حروف أسمائهم لآلئ يزداد بريقها مع مرور الزمن .. و اليوم جمعتنا الذكرى.. لتأخذنا في رحلات من نوع خاص .. ……………… أحاور الذكرى المسافرة للأرض بعيدة .. خلف ذرات من التراب … لم أعرفها ولم تعرفني .. الغصة تستأنس بالصمت … أقف عاجزةٌ أمام الحروف الساجدة في محراب الفراق … أمواجُ الدمعِ تمورُ… والأفكار تتشعب بين الدروب المبعثرة .. وعند تخوم الدهشة.. تتجمد الدماء في العروق الملتهبة شوقا … وبين فراغ المسافات يسكن الضجيج وتنتفض لغة القلق .. ظل روحك يا والدي الغالي معلقة على أستار الروح .. فكيف لا يفيض من الكلمات الحنين و لا تمتلئ كؤوس الفراق بالوجع .. ؟؟ ………………………… ها نحن نلتقي اليوم لــ نعيد تقليم الكلمات فــ تبدو نابضة بالصدق في ثوب شفاف لكنه قاتم أنيق ، وبعيدا عن ينابيع الصمت التي أغرقتنا بالذهول منذ زمن بعيد ليتردد صدى الكلمات في عمق النبض لتتعانق الوعود المسجاة في القلب ………………………….. دعني يا والدي الحبيب.. أبْنِــي مــنْ حُبِّــكَ عُشًــا.. وأنْسُــجُ مِــن غُصْــنِ مَجْــدِكَ التليدِ أفُقًــا.. وأحْفــظُ بين ثنايا الوجدِ عَهْــدكَ..
الآن أرى الصمت يُطأطئ رأسه في انحناء و تبجيل لذكراك، يمد يده اليمنى يطرق أبواب الأبجدية لتنطلق الكلمات فُرادا و جماعات تصفّ السطور إيذانا بوصف غير إعتيادي لشخصية غير إعتيادية .. أمامها تعجز حتى المشاعر في ترجمة خلجاتها لصور و معان .. فقلبي الذي عشقكَ منذ النبضةِ الأولى للحياة لم يعتد للآن على غيابكَ و لا على الحديث عنكَ و عن أتون هذا الغياب .. و عند عتبات الذكري سأقول:
يَتَلَعْثَمُ الحَرْفُ المُعتَّق بالهَوَى وَيَفُورُ حُزْنٌ ساقـَهُ نَجْمٌ أفَلْ فَتَجَذَّرَ الألَمُ المُخَضَّبُ بالوَجَلْ وَسَبَى مَلامِحَ وجْهِيَ المدفونِ في عُبِّ الأمَلْ وعلى الخدودِ تُجيِّشُ العبَرَاتُ أرْتالَ النَدَمْ يَتَبَعْثَرُ الحلمُ المَهِيبُ على ضِفَافٍ تَعْشقُ الوجعَ المُسَافرُ بين أنفاسِ العَدَمْ تتسَمَّرُ اللَّقطاتُ في عيني.. على مَرْمَى حُلُمْ وربيع عمري يَعْصُرُ الكلماتِ مِنْ صَدْري فتَخْضَرُّ الجِراحُ.. تَؤُزُّني أَزًّا.. وتَكْتُبُني على نَوافيرِ الأسَى حُمَّى انْتِظارْ وِيَلُوذُ بالصَمْتِ القَرارْ..! يَتسَكّعُ النّزْفُ المُخاتِلُ في الثنَايَا ضاحكا ويَهُشُّ قَلْبي يَرسُمَ العِشْق المُعَوْسَجَ بالدُّموعِ عَلَى جَدارٍ الإنتظار …………………………. فكيف لا يسم هذا العشق المعوسج بالدموع وابن الشاطئ الوالد الإنسان، الشاعر الأستاذ ،المعلم الفاضل و الأب الحنون ،الموجه و القدوة ليس لي و لإخوتي فحسب بل لكل الذين ترعرعوا في كنفه ، مئات الطلبة و الشعراء و الشواعر و الأدباء و الأديبات .. من أين أبدأ ومن أين ..؟؟ أأتحدث عن لطفه و لباقته و قلبه الكبير الذي يتسع لكل إنسان و الذي تحمّل بكبرياء قسوة الزمن و قسوة البعض و ممن أحبهم .. أم أتحدثُ عن صفة تكاد تكون حاليا عدوة لأغلب المبدعين أو من يسيروا على طريق الإبداع ، هي صفة يكاد لا يعرفها الكثيرين في زمننا وهي ” التواضع ” نعم لقد كانت هذه الصفة الوجه الحقيقي لشخصية ابن الشاطئ الإنسان بل منصهرة في تفكيره و قناعاته و لهذا حدثتكم عنها أولا لأنها السمة الأهم في الوالد حمه الله ، فكلما كان يعلو نجمه يفاجئك بتواضعه .. ولم يُلحظ يوما أنه تغير أو تغيرت معاملته أوعلاقته بأحد ما و حسن تعامله مع الصغير قبل الكبير و لهذا نجد محبيه من كل الأعمار و من مختلف الثقافات .. و من كل المستويات .. فمن تدرج على سلم الحياة و عاش مراحلا كثيرة و مستويات مختلفة لا يمكن أن يغيره أي طارئ و لأن ” الأصيل لا بد أن تكون شخصيته موشومة بالأصالة ” فكيف سيكون مع زوجته و أبنائه,,!!؟ كانت هيبة الوالد تتعاظم يوما بعد يوم وعلى خط موازي يتعاضم حبه في قلوبنا دون أن يمتطي صهوة الصراخ أو التوبيخ بل كان سلاحه دوما اللطف و الرقة و الحنان يحاورنا بهدوء تام وبحب تعكسه عيونه والتي كثيرا ما اغرورقت بالدموع، لذا كنا من خلال كلماته نتلمس أخطاءنا، زلاتنا ومكامن الضعف فينا ومنها نستمد القوة و الكبرياء فهي محفزنا و سلاحنا في مواجهة الحياة ، وأملنا في الاندفاع بعزم في طريق خَط لنا بيانه لأنه أقوى سلاح وهو متابعتنا للتحصيل العلمي لنحقق أحلامنا قبل أن تتحق أحلامه فينا ..
لم يكن يوما أنانيا كالكثير من الأباء و لا متطلبا ولم تكن العضلات قانونه و لم يعشق الدكتاتورية رغم الحاجة للتربع على عرشها أحيانا بل كان مؤمنا بحرية الرأي ومشجعا لقول الحقيقة .. و محاربا للتزلف لذا حرص على إنشائنا في بيت سمته النقاش و تبادل الآراء مما سهل تشكيل شخصياتنا المتوافقة مع مبادئه و قيمه ، و أهم ركيزة لها الكرامة التي لا يمكن أن نفرط بها مهما جار علينا الزمن أو الأحبة. كان قريبا منا ومن مشاكلنا و من كل صغيرة و كبيرة تخص حياتنا، يداوي جراحنا ببلسم حنانه كما يسهر على شفائنا كأم حنون إذا مرضنا فقد اعتاد رحمه الله أن يشارك والدتي بمتابعتنا أثناء المرض فكم مرة سهر على وضع كمادات الماء البارد على جبيننا وتقديم الدواء لنا في مواعيده أو تقديم كوبا من المشروب الساخن، لذا كان مرض أختي الغالية ميسون أضعفه و تسبب في انهياره نفسيا في لحظة فكيف بفراقها رحمها الله لم تغب عن فكره يوما ولا عن قلمه و لا عن قلبه. ولم ترحمه الأيام فضاعفت من قسوتها وبسبب العشرية السوداء في الجزائر اضطر لأن يتخذ قرارا مصيريا بإرسال زوجته و بناته للشام. تضحية كبيرة لقلب ابن الشاطئ الوالد ولكنها كانت ضرورية في سبيل المضي قدما بمستقبلنا ..
وكان الفراق المتقطع و رحلة الحياة تمضي أيضا ليتزوج أغلب أبنائه و يولد أولى أحفاده وهو بعيد عن هالة الفرح فقانون الساسة يا سادة ليس له عنوان و لا مشاعر كما هو قانون الكرامة ليس له بديل آخر ورغم كل هذا لم ينقطع عنا شريان حبه و حنانه و لا لهفته و كلماته فقد طوت المسافات و رممت كل شعور بالفقد .. فكيف لأننهار يا والدي الحبيب بعد هذا الفاق ..!!؟ لذا أجدني هنا أبحث عن الكلمات لأتحدث عنك رغم تزاحمها في تجاويف العقل والقلب لأجدها تبكي شوقا و حنينا كيف لا تبكي على فراقك الحروف وأنت من علمتنا نجيد تشكيل المعاني و فنون رسم الصور و حفرت في دواخلنا كل جميل .. فمن قال أن البكاء سلاح الضعفاء بل هو دليل أكبر على حجم الفقد و مقياس الحب .. و نبض القلم وهنا استذكر مقالا نشره الكاتب الفلسطيني “سمير ابو زيد قباطية” في دنيا الوطن رد فيه عن نص كتبته بحبر العيون : “اقتباس” والد مثل والدك يا سفانه كاتب وشاعر ومناضل ومدرس وصحفي ارفعي رأسك به ولا تحزني لكني ماذا اقول فوالله على مثله تبكي البواكي وحرى بنا ان نحيي ذكرى كل الرجال المخلصين من أجل وطنهم وعلى كل واحد فينا ان يعيدهم الى ذاكرة أجيالنا الحاضرة المغيبة صحيح انه غيب عن الدنيا بعيدا عن وطنه ومسقط رأسه (الجسير) جنوب فلسطين ، لكنه لم يشعر بهذا البعد يوما لأنه كان يحمل هموم كل بقعة من الوطن العربي تماما كما يحمل هموم فلسطين لقد جسد العالم العربي كله هما فلسطينيا سواء في الصحف أو الإذاعات التي أشرف على الكثير من برامجها أو الصحف والمجلات التي كتب فيها أو أشرف عليها أو الاتحادات التي ساهم في تأسيسها “انتهي الإقتباس “ وهنا أقول :
أيها السارقون .. دعوني أعود طفلة تحبو على سجادة القضية أسقط تارة .. – لا يهم – فــ بعد كل كبوة لي وقفات مع الشموخ .. أنثى أنا لا تؤمن بــ ” الإستسلام “ فــ منذ الصرخة الأولى ولِدَتْ أولى انتفاضاتي و بذور والدي – رحمه الله – * كانت كبرياء و قلم يقصف جدار الصمت و لا يخشى .. يعري النذالة و الخيانة و لا يسأم روى موهبتي .. فنما في محبرتي ” الكبرياء “
أيها ” السارقون .. “ من أنتم ..؟؟؟ أحلامي هي الحقيقة وهي ” المشيمة ” التي تربطني بالحياة وهي ” مشروعة .. مشروعة “ فــ العودة ” حق “ و ليس بــ ” قرار “ ………………………. أبتي … كيف تستكين روحي و الصور تنهال علي تباعا كشلال مطر لــتزيد من الحنين إلى أحب الناس كيف لي أن أنسى حلمه المتخندق بين مفتاح (الدار) وبين زيتونة عش على اغصانها الأمل، وكم رحلنا معه إلى ربوع ذلك الحلم المُحق إن شاء الله و المتعاظم كل عام حتى وصل حلق السماء و غص من مرارة الواقع والإنبطاح التام . و بين الواقع وأنياب الذكرى نجمة أخرى أعلقها في سماء الفقد لتضيء سماء الحنين ببعض الكلمات المسجاة في قعر الذات
يـا ساكـن الـروح وهــيَ الآن تُنْتَزَعُ يَسْري لِفَقْدِكَ فيها الحُزْنُ والفَزَعُ