الذُّباب .. سميح الشريف

الذُّباب

الذُّباب .. سميح الشريف

بقلم: سميح الشريف

وطارحَها الذُّباب الحبّْ

 بثَّ  مرارة  الشكوى  وقال  لها ،

رصدْتُّكِ  فوق هذا الغصن  أيّاما

ولكْتُ  الصبرَ  يا  ذهبيةَ  الألوان أحلاما

وكدتُ  لفرط  هذا  الحب  أن  أقضي  به  ولها

وقالت لي  فراشاتٌ  مررن  هنا

بأنك  ابنةُُ  الزّهر

وربّةُ  كل ما في  الروض من عطرِ

وأن  الله  أنزل  فيك  سورته

ولكن  حين أعطى الخلق  صورته

حباكِ  اللهُ  أجملَها

وأودعها شفاءً معجز  الســرِّ

فصار  الريق  من  شفتيْكِ  شــهداً  ذائباً  يجري

وقال ، وقالْ

خال  بأنه ألقى عليها  أعذب  الشعرِ

وأن  كلامه  ذوبٌ  من  السحرِ

فحكّ  يديْه  في  مرحٍ  وأسْبَلَها

وراح  يتيه مختالاً  بساحتهِ

ودلّل أن  في  الأمثال  صدقاً  في  وقاحتِه

فهمَّ  بها  وقبّلَها

وقيل بأن بنتَ الروض  ساعتها

توارت  في  ثنايا  الزهر ،  ما  ذُعرتْ ،  وما  فقدت شجاعتَها

فقد  كانت تمارس  في  خمائله  عبادتَها

فما شأنُ  الفضوليين  من  شأنٍ  فيشــغَلَها

وظنّ  أخو الذباب الصمتَ في  شقرائه حرجاً  ألمَّ  بها  فأخجلَلها

فراح  يدور  في  قلقِ

وأقبل  نحوها  متميِّسَ  الخطوات  ، يمشي فوق  سجّادٍ  من الورقِ

وكان  الظلُّ  تحسره

نسائمُ ،  هزّها  الوادي  وأرســلَها

فألقى  في  ثياب  الزهر حبّاتٍ  من  الألقِ

وطافتْ  في  ثغور  الزهر تجمع  من  مباسمهِ

بديلَ  النّورِ ،  أمواجاً  من  العبقِ

وتحمله  على  طبَقِ

وتفرشه تسابيحاً  على  الدربِ

هديّةَ  خالقِ  الحبِّ

موائد  في  الكروم  الخضْرِ ،  في  الصحراءِ  ســبّلَها

وراح  ذبابُ  يسألها  بهذا  الهيكل  الخَلِقِ

وحرّك  رأسَهُ  الثؤلولَ  في  نزَقِ

وقال  لها ،

أميرةَ  كلّ  هذا  الحسنِ ،  كان  الحسنُ  لي  شبكا ،

أتيتُكِ  خاطباً  يُلقي  إليكِ  بكلِّ  ما  ملَكا

قناطيراً  مكدّسةً  من  العفَنِ

وأطناناً  من  الأقذار  قد  ضاقتْ  بها  سُفُني

وخلف  حدودِ  هذا  الروضِ  سيّدتي

تقوم  هناك  مملكتي

مساحاتٍ  تتوه  بها  العقولُ  ويَذهُلُ  البصرُ

تعيش  على  موائدها  صراصيرٌ ،

وآلافٌ  من  الحشراتِ  تنتشـــرُ

وهذا  العام  سيدتي ، 

تجمّعَ  كلُّ  ما  في  الأرض من  ذِبّانْ

وغصّ  بهم  فضاءُ  الرّيفِ  والمدنِ

وآلافٌ  من  الخطباء فيهم  عدّدتْ  مِنني

وغطّوا  كل  مزبلةٍ  بألف  شِعارْ

تقول  بأنني من  خيرةِ  الأخيارْ

وإني  الفارسُ  المغوارُ  في  المحنِ

ونادوا  بي  عليهم  في  الورى  ملِكا

فأولمنا  وأطعمنا  بلا  ثمنِ

وسبّلنا  مجاري  أفضلِ  المدُنِ

خموراً ثرّةَ  الأنواعْ

وأنبذةً  معتّقةًً ،  تفيض  بخاثر  الأسنِ

وقال  ،  وقال

خالَ  بأنه  في  الوصفِ  أذهلَها

وتوّجَ  كلَّ  ما  أبداهُ  من  أقوالْ

ببعضٍ  من  أحاديثٍ  تأوّلَهـا

فقال ،  سمعتُ  من أشياخنا  العلماءْ

أن  الله  أكرمني ،

فأودعَ  في  جناحي  البرءَ  والإشفاءْ

لكن  قِلّةٌ  حمقى  من  الشعراء

ومن  وُصفت  بآيِ  الذِّكْــرِ  بالإغواء

ظلّتْ  في  قريض  الشعرِ  تلعنني

وتنعتني،

بأني  مصدرُ  الغثيانِ  والنَّــتَنِ

فأصبح  كلُّ  من  يقرا

 ”  إذا  سقط  الذّبابُ  على  “

يُحقّرني 

ولاذَ  الناسُ  من  حمَقٍ  بأنواعِ  المبيداتِ

فذرّوا  السُّــمَّ  في  دربي

وعبر  خطوطِ  تموينيَ رشّوا  السائل  القتّال في  كل  المصارفِ  والقُماماتِ

لتقتلني ،

وتمحو  خلقيَ  المنكود  من  أسطورة  الزّمنِ

ولكن  رغم  هذي  الحربِ  ما  زالتْ ،

ترفرف  في  رحابِ  الأرضِ  راياتي

ويُرسلُ  واقعي  المحمومُ  آلافَ  السؤالاتِ

فتضربُ  كلُّها  عقلي

لماذا  الناسُ  مرتاعون من  شكلي

وما  ملّوا  ملاحقتي بكلّ  وسائل  القتْلِ ؟!

وتُعجزني  سؤالاتي  وتعييني

ولكني  أخذتُ  من  الشرائع  ثَمَّ  أعدلَها

بأن  الحقَّ  دفْعُ  الشرِّ  بالمثْلِ

فطفْتُ  عل  وجوههموا  أروّعها  بلدغاتي

وأبصقُ  في  طعام  الناس  أوبئتي  وآفاتي

وأعبثُ  في  أنوفهمو

وأحشو أرجلي  العفناء  تفحصُ  في  ثغورهمو

ولا  يجديهمو  ذبّـي إذا  واصلتُ  غاراتي

فأُرهقهم  وأنشر  فيهمو  القلقا

وأزرع  من  جنون  الغيظِ  في  أعصابهم  رهَقا

فكم  كفروا ،

وجُنّوا  في  مطاردتي

وكم  كسروا

على  آثار  قفزاتي

عديداً  من  مذَبَاتِ

وأترك  ذلك  الإنسانَ  في  فوضى من الأمرِ

يعاني  ثورة  الغليانِ  والنُّكرِ

ويطفئُها  بأنواعٍ  من  الكفرِ

وحشدٍ  من  عباراتٍ  بذيئاتِ

فأفهم  أنها  شتْمٌ  عل  شخصي

ونيْلٌ  من  كراماتي

فتقرع  أُذنَـهُ  الصمّاءَ  قهقهتي  وضحكاتي

فيا  لغباوة  الإنسانِ  لا  يدري

بأنا  بعضُ  هذا  الخلقِ  قد  جئنا  على  قســرِ

وتحقيقاً  لغاياتِ

أرادت  أن  نمارسها  ونجهلَها

ونحمل  في  وجوه  البعض  معْولَـه

فأفنيه ،  ويفنيني

وتحيا  غايةُ  الغاياتِ في  تكوينه  ســرّاً  وتكويني

وقال  ،  وقال

خالَ  بأنه  قد  فاض  في  الأحداثِ  تفصيلاً  وعلّـلَها

ولاح  له  بأن  يمضي  لغايته  فيسألَها

فقال:

ســمِعْتِ  يا  شقراءُ  بعضاً  من حكاياتي

وبحتُ  إليكِ  في  ســرّي  وحاجاتي

خطبْتُكِ ،  ما  طلبتُ  الحُبَّ  في  واديكِ  مؤتفِكا

وهذا  الروضُ  حُرْمتُه  على  خطرٍ

أخاف  عليه  أن  يُدهى  فيُنتهكا

فليتَك  تَـقْـبَـلين  يدي ،  فنربطَ  بين  قلبينا  ونشتركا

وفي  أفراحنا  الكبرى

نؤاخي  بين  شعبيْنا

ونمزج  بين  لونينا

فنغدو  خير  مَنْ  مَـلَـكا

وكانت  ربّةُ  الأزهار قد  أوفتْ

بكلّ  خمائل  الوادي  تجوُّلَـها

وعلّتْ  من  رحيق  الزهر  أنخاباً

فروّاها  وأثملَها

ورفّت  في  جناحيْها ،  تشقُّ  فضاءَها  الرّحْـبا

فتتبعها  اليعاسيب  التي  هامت بها  حُبّـا

لتشعلَ  في  سبيل  غرامها  الحرْبـا

معاركَ  في  فضاء  الله  تشهد  هولَها  الرّيحُ

وتشرب  من  دماء  النصر  فوق  بساطها  نخْـبـا

هنالكَ  تمنح  الشقراءُ  عُـذرتَـها

فتحني  الريحُ  هامتها

ويغشى  الكوْنَ  تسبيحُ

وتهبط  ملكةُ  الأزهار  للأرض  التي اختلجت  بها  الرّوحُ

لتبنيَ  حولها  قلبـا ،

وأجنحةً  وآمالا ،

لتزرع  في  الخلايا  الشُّقر  أجيالا

وتملأ  أرضها  خصبـا..

                                    =========

الزرقاء/   15/11/1972

المزيد من اعماله

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

يا نخلةً في مروج الريف تعرفني – هاجر عمر

يا نخلةً في مروج الريف تعرفني قولي لهم إنني أنأى عن المدنِ ففي شوارعها زيفٌ يلوذ به خوفٌ،وفي بحرها موجٌ من الفتنِ

%d bloggers like this: