يعتبر مسرح الطفل من الوسائل المهمة والمؤثرة في تنمية الطفل عاطفيا، ولغويا، وثقافيا وفكريا لذا كانت لتقنيات الكتابة أهمية وتبيان الخصائص التي تُبني عليها الكتابة الدرامية ، فالنص المسرحي للطفل يمثل أعلى صور التعبير الأدبي فهو يلخص كل القيم التعبيرية في فنون الأدب، هو وسيلة ناجحة للتثقيف التربوي ، ومساحة ثقافية هامة للطفل تلعب دورا مهماً في الوصول إلى سراديب خلجاته الشعورية والفكرية والمعرفية وتُنمي احتياجاته الجمالية والذوقية. لذا وجب أن تكون خصائص البنية الدرامية في المسرحية هادفة وملائمة للطفل ، تهتم بالمعارف والقيم التعليمية والتربوية، لذا كان أهمية المسرح المدرسي كواجهة حضارية ومصدر للثقافة والارتقاء بالفكر حين يقوم على نظريات علمية يُضْمَنُ تطبيقها لتحقيق أهدافٍ وغاياتٍ تساعد للحصول على نتائج فاعلة وغاية في الأهمية على مستوى إدارك الطفل المتعلم
ومن أهم ما يُعتمد عليه في خصائص مسرح الطفل الإهتمام في تكوين المنظر في المسرح لأنه يلعب دورا فاعلا في تنمية معلومات الطفل وتغذية قابلياته ومهاراته وخياله الذي يمتاز بالنقاء كونه خيالا بكرا، وبتنا نعلم أن التكنولوجيا ذَلَّلَتْ الكثير من الصعاب في هذا المجال لأنّ المدرَك البصري يمثل البوابة الأولى لمداخل المعرفة فالصورة تمثل بنية محسوسة وبنية محدوسة توصل إلى الاشكال اللامحسوسة , لذلك اعتبرت الصورة من اهم خصائص الحداثة وما بعدها. وتتجلى أهمية البحث في سينوغرافيا العرض المسرحي للطفل (بالشكل ) اكثر من تجلِّيْها في بقية الخصائص الأخرى لذات المسرح , وبهذا فإن السينوغرافيا لابد ان تقوم بدور يجعل من التذوق المحسوس يرتقي الى الرفعة لدى المتلقي أي (الطفل) . ومن هنا نقول :
يجب أن يكون للتصميم دورا مهما يزاوج بين الدلالات الفكرية أي (النص) والدلالة المتجسدة أي (السينوغرافيا) كونها تُلقي الضوء على المفاهيم الاساسية في تشكيل المنظر لتصل من خلالها الرسالة المرئية بما يؤمِّن إشباع حواس الطفل وتعزيز معلوماته وانثيالاته الفكرية والحسية التي يستقبلها من الوهلة الأولى ومن ثم يبدأ بتلقي المؤثِّــرات الأخرى في تفاصيل العمل المسرحي , بالإضافة لعامل الإضاءة الذي يلعب دورا مهما مساندا للعرض ..
خاصة أن مسرح الطفل يعتمد على الوسائل التعبيرية التي يشترك فيها السمعي والبصري والسايكولوجي بالحدس كما أنه لا يعتمد اللغة المنطوقة فحسب وأنه يتعامل مع العلامات أي يشمل ( كل التفاصيل مافوق خشبة المسرح لأنها علامة دالة ) تساهم في تنمية روح الخلق والأبداع
وقد جاءت مسرحية العصفورة الكسلانة وهي عنوان المسرحية الأولى والتي تطرح آفة يعاني منها بعض الأطفال و هي الكسل و الخمول والذي يقابله النشاط و الحيوية عند باقي أبطال المسرحية ، ومن خلال بطلة العمل العصفورة والتي تتعتمد على الإتكال على مجهود الآخرين للحصول على الطعام ، مستغلة قلوبَهم الطيبة ، و مروءَتهم،ومن خلال تسلسل الأحداث يُظهر الكاتب الثمن الباهض الذي دفعته هذه العصفورة فقد كانت أم سيئة مهملة مستهترة كانت مستعجلة في خروج اطفالها من البيض ليكبروا على عجل و يحضروا لها الطعام فلم تكن تعتني بصحة أطفالها فهي لم تهتم بنظافة العش و لم تقلب أو تغير القش و لم تهتم بإحضار الطعام لأطفالها مما تسبب بسوء صحة أحد الأبناء ” فرفور” ونتيجة لهذا الإهمال و الكسل دفعت ثمنا باهضا من خلال فقدهم ، ومن ثم موت أحدهم وهو ” فرفور ” ، ، وقد استعانة الكاتب بالقرآن الكريم خلال الكلمات التي ترددها الكائنات ومن ثم جعل طائر الغراب وسيلة لتعلم الإنسان كيف يواري جسد أخيه الميت
ففي المسرحية استخدم ذات الطائر “الغراب” لشرح سبب دفن جسد الميت لأطفال العصفورة الكسولة حين مات “فرفور ” ، و من خلال ذلك أعطى دروسا مهمة للأطفال بعدم رمي الفضلات أو الأشياء في المياه كي لا تتلوث ، وعدم تركها في أي مكان كي لا تتعفن و تتصاعد منها رائحة كريهة ، وهذا أمر مهم جدا خاصة أن الإعتناء بنظافة الجسد والبيت و ما حولنا أمر مهم يعود بالنفع على الجميع ، بالإضافة إلى أن استخدام الطائر كالغراب و هو طائر مذموم وعند الكثيرين يرمز للتشاؤم و الإشمئزاز أظهره الكاتب في المسرحية كطائر شهم حنون وطيب القلب تحمل مسؤولية أبناء العصفورة دون تذمر و اهتم بهم حتى كبروا ورباهم أحسن تربية ، وهذا أظهره من خلال أحداث المسرحية المتتالية ، وأيضا خلال اندلاع الحريق و الذي هو من عمل الإنسان ” للأسف ” ، فقد بدا الغراب طائرا ديموقراطي يستمع لمقترحات الجميع و يشاورهم في أمر مهم يتعلق بحياتهم وأظهر أن العقل و التفكير لا يكون لكبير القوم بل هو حق للجميع ، وقد ظهر ذلك من خلال ما طرحه الصغار ، كما أظهر الغراب كطائر حكيم ذو عقل راجح ، وكان الحل جميل أوصل معلومة مهمة وهي أن تلجأ الكائنات لجهة عكس اتجاه الريح لتكون آمنة من النيران و دخانها .
وفي مراحل تغيير العصفورة سلط الكاتب الضوء على أهمية مواعيد النوم و الإستيقاظ في النشاط و العطاء و إنجاز الأعمال وكانت البداية ، و اهتم بأهمية السعي وراء الرزق و العمل و الدراسة ،ومن خلال اعتناء العصفورة للطائر المريض دون أن تعلم أنه ابنها أراد أن يؤكد مدى التغيرات التي لحقت في شخصية العصفورة السايكولوجية فلم تعد أنانية و لا إتكالية و لا مستهترة ، وأصبحت تتحمّل المسؤولية ،كما استطاع الكاتب أن يبرز من خلال مسرحيته ميزة التعاون بين الجميع فقد اسرع الجميع لمد يد العون للعصفورة بعد فقدها لأطفالها رغم مواقفهم السابقة منها ، وخلاصة لم سبق أراد الكاتب من خلال مسرحيته أن يوصل رسائلا كثيرة ، أهمها :
_ أن لا نحكم على الآخرين من خلال الشكل و المظهر ، فالعصفورة جميلة لكنها تحمل صفات سيئة كثيرة ، والغراب بشع لكنه يمتلك صفات جميلة
_ خلال تطور الأحداث و موت فرفور مرر الكاتب الكثير من الرسائل التي منبعها ديننا الحنيف
– العمل – الصلاة – تغير المنكر – دفن الميت و تفسير سبب ذلك فالطفل لازال لا يعي سبب دفن الموتى في التراب أو يعتبره أمرا مخيفا وغير مقبولا ،
_ الحفاظ على النظافة بشكل عام والحفاظ على بيئة صحية نظيفة
_ أهمية دور الأم بالإعتناء بأبنائها و الحفاظ عليهم و التضحية من أجلهم
_ ركز على التكافل الإجتماعي ودور المجتمع في انقاذ المحتاجين والمظلومين وتغير ما يجب تغييره ، و التشجيع على أن يكون للفرد دورا إيجابيا لبنائه
أما مسرحية ( ثورة الحديقة ) فقد اختار الكاتب على أن يكون الراوي شخصية الجدة والتي تلعب دورا مهما في حياة الأطفال في الواقع و الحكايات ، لأنها تغذي مشاعرهم و أفكارهم و خيالهم بقصصها التي لا تنتهي ، وهذا مدخل جميل يحفز الطفل على المتابعة و الاستمتاع من خلال الحوار بين الأطفال و الجدة ، و الحوار بين أبطال الحديقة، وفعلا لقد حملت المسرحية رسائلا كثيرة ، كعدم السكوت عن الظلم و إلا استمر إلى مالانهاية ، ” رفض الإستغلال _ الأنانية _ الإستهتار _ الإستبداد “
_ التلاحم الأسري المتمثل ” بالورد” _ دعم و تشجيع الثورة ضد الظلم _ التكافل المجتمعي _ بالإتحاد قوة _ الحصول على الحق بالقوة ” فساكت عن حقه شيطان أخرس “
لذا كان رفض الواقع و تغيره باليد أو بالروح ، فالهدف النبيل لا يقف أمامه أي حاجز وأن الموت في سبيل الكرامة و الحرية حق و ثمنه عظيم ، و بالتالي أكد من خلال الأحداث على حب الوطن و التشبث به وأن خيراته حق للجميع مع السعادة و الراحة ، و قبل كل هذا وضح أهمية الوحدة و التلاحم وأن الفرقة تودي للخسارة دوما ، كما أظهر دور القائد الحكيم في تسير الأمور و تحقيق النصر من خلال ملكة النحل ، و كانت النتيجة استسلام البستاني مع عقد اتفاقية عادلة ، تجعل من طرفي النزاع في مأمن و سلام و خير ..
وقد مرر الكاتب خلال هذا العرض معلومات عدة للطفل منها
_ الفرق بين الزهرة و الوردة _ موت النحلة حين تلسع الإنسان _ الذي يموت في سبيل وطنه شهيد هو حي لا يموت _ وقد أكد ذلك قرآننا الحكيم _ والنصر يأتي من الوحدة وليس من الفرقة _ لابأس أن يخطئ الإنسان ولكن عليه أن يتعلم من خطئه وهذا ما أظهره الكاتب في نهاية المسرحية حين تسلل طفل للحديقة وأوقفه البستاني و نصحه
و يبقى الحوار بين الشخصيات عامل مهم في تحقيق الهدف المنتظر من العمل ، و قد استطاع الكاتب أن يتفنن في زخرفة الحوار بأسلوب شيق جمع بين النثر و الشعر ليجذب أذن المتلقي و هو الطفل له ، فطغيان الإيقاع العذب يشد إليه المستمع، وهنا أقول إن أبعادَ الطفولة وجدت في جميع عناصر المسرحيتين منها الحبکة، والفکرة، والشخصية، والحوار، واللغة، والصراع وغيرها، کما بيّن کيفية استلهام الطفولة من خلالها، و نجح في الاستفادة من خلالهما لتكون كوسيلة تعليمية تساهم في تکوين شخصية الطفل.
كما حرص الكاتب على مشاركة نصه بالرسومات “الصور والألوان” لمعرفته بالعلاقة القوية بينها و بين النص المكتوب فهي تثري المسرحية و تزيدها جمالا و سحرا وهي دوما تأثر ايجابا على الطفل فتجذب ذائقته لمتابعة القراءة ، أو المشاهدة إذا كان العرض على خشبة المسرح ، و قد كانت لوحات الفنان محسن عبد الحفيظ الفنية، إبداعية، معبرة، وموحية، واضحة المعالم ، متناسقة، ومناسبة للبنية النصية، و زاهية الألوان تجذب عين الطفل و تحببه بالنص ، واستطاعت أن تعكس مضمون الكتابة بشكل جيد، ومن المعلوم أن الرسومات والصور والألوان تفتح خيال الطفل وتنمي احساسه وشعوره لكي يتذوق هذا الجمال الفني من ناحية، ولكي ينمي خياله من الناحية الأخرى، وهي تعتبر من أرقى العمليات العقلية ، تساعدهم على تخيل صورا إضافية في أذهانهم ، وتحفزهم للتفكير فيستطيع أن يفرق بين الخيال والمحسوس ، هذا ما يؤكده
د. بشارة مرجية : ” التخيل يوجِد التفكير، والتفكير يوجِد الهدف ، والهدف يوجِد البحث ، والبحث يوجِد السعي ..لذا كان من الضرورة حين اختيار أي عمل قصصي أو مسرحي أن يُهتم بمضمون الكتاب اللغة والأسلوب ، و الشكل الخارجي و الداخلي كالرسومات، ونوع الورق وحجم الخط …. إلخ “
ولأن كل نص يقدم للطفل يجب أن يغذي خبرته ويبيّنُ مداركه، ويشجع ابداعه، ويؤكد ذاته ويبني مستقبله.. يبث شعورا آمنا ، وترشده الى الطريق الصحيح والتفكير السليم، وتحث الطفل الى الخير والقيم والفضائل، وأن تثير في الطفل المتعة والراحة، ودفعه لتقديم المساعدة والعون للآخرين، كذلك تزوده بالمعرفة والمعلومات، نستطيع أن نقول عن مسرحيتي الشاعر و الكاتب السيد جلال قد حققتا ماذُكر سابقا و استطاع أن يصل بعمله إلى سدة النجاح ..