أضواء على أمسية ملتقى قناديل الفكر و الأدب الثالثة الإلكترونية مع الأديبة و الناقدة منوبية كامل غضباني / تونس
عبدالرحمن ريماوي
28 أبريل، 2020
قراء
388 Views
لا تكاد تمرّ امسية شعريّة في ملتقى قناديل الأدب والفكر و الأدب على فضاء الإفتراض ، الاّ وتترسّخ مكانة الشعر وطبيعة تمثّل المبدعين العرب لهذا الفنّ …ومدى تطويرهم لمساراته وقدرتهم على الإبداع فيه. فقد أثّثت الأصوات الشعرية هذه الأمسية بقصائد ذات لغة مترفة جمعت مع الأناقة والسلاسة قدرا كبيرا من المتعة وهو مايمكن أن يوفّر للنقاد مجالات للتمعّن والتناول لهذا الفنّ بشكل خاص في رصد رصين لتطوراته وصناعته وسبر كفاءات مناهجه ..
فقد أغنت جلّ القصائد الملقاة رصيد الشعر العربي وفتحت له آفاقا تعبيرية جديدة ودلالات بلاغية وطاقات ابداعية في نظمه وقد قامت جمالية الشعر في هذه الأمسيات على فنّ الإلقاء ..فإلقاء الشّاعر لقصيدته صوتيّا يعكسُ النّص المكتوب بألقاء جيّد معبّر قام على عاتق ناظمه..فالإلقاء في حدّ ذاته يشكّل براعة ومهارة في ايصال النّص لسامعه وصياغة إبداعية يكاد يكون مشهديّا عند الأداء ، ويبقى السعي دوما لتحسينه هو الضامن في هذه الأمسيات لتأمين حدّ أدنى لإيصال الشعر لسامعه..
ولابدّ من التّنويه أن البداية كانت مع تلاوة آيات من الذكر الحكيم للدكتور محمد طه هنداوي ، وبعد رحلة لم تطل كثيرا مع قصائد بعض الشعراء توقف قطار الشعر في محطة فنية وقد بدأت تترسّخ عما يبدو كتقليد أدبي في الأمسيات الشعرية باعتبارها تقنية حديثة تساوق المعاني وتفرز جمالا واضافة للقصيد، وكانت الوقفة الأولى مميزة مع المبدع د. طه هنداوي الذي أعاد إحياء فن جميل كان شائعا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وكاد أن يندثر ، وكان للآلة “السمسمية” المرتبطة تاريخها بالعهود الفرعونية القديمة حضورها الأسطوري الرهيب فهي كالشعر تماما تعبّر عمّا يجيش بداخل الفنان المبدع عزفا …ونوتة …والحانا، وهي انعكاس للواقع الحالي حيث سيطرت الكورونا على مفاصل الحياة ، أما الإستراحة الثانية كانت مع النشيد الديني ” ياقارئ القرآن ” و صوت المنشد الرائع محمد النجار من كلمات عميد القناديل د. جمال مرسي حيث اتحد جمال الصوت و اللحن و الكلمة ، أما الاستراحة الثالثة فقد كانت مع تواشيح دينية مع الشيخ سيد النقشبندي وموشح ” ماشي بنور الله “
كما أنّ المتأمّل في المضامين والقضايا المعالجة في القصائد المشاركة في الأمسية يقرّ بقدرة الشعراء على اجلاء هواجسهم المحتجبة مهما اختلف المستوى الأدبي الذي يقدمونه فالشعر فاعل ومؤثر ومتصل بقضايا الإنسان في المطلق منخرط ضمن المسار الإنساني بمختلف مناحيه ..وأستحضر هنا قولة لفوكو “إنّ النّاس يكتبون عن أنفسهم منذ ألفي سنة ,إنّما ليس بالطريقة نفسها”
وقصائد هذه الأمسية التي تنوعت في أغراضها لم تخلو من وهج المحبين والعشاق وقد عبّر عنها الشعراء بأساليب وطرق مختلفة ومغايرة …فكان الإبداع والإمتاع والمحاكاة للإحساس التي اتسمت بغزل عفيف شفيف ،كما أنتج التّمثل الخيالي متعة ومحتويات نصيّة فائقة بقوة تعبيرية لا حصر لها ، وبعض القصائد اتشحت ببعض الحرية ويسرت للمرأة المبدعة خاصّة جرأة البوح ومفاتحة النّفس وكأن حركة القصيد صارت تؤشر على تحرّر الذّات من أجل تحقيق المصالحة فكشفت لنا عن حالتها الشعورية الوجدانية ..وقد أعربت نصوصهن عن أداء جيّد وجاد على نحو مخصوص..إذ غاب الأدب “الذكوريّ” المهيمن على صوت المبدعة وارتهان أحاسيسها وعواطفها والمحدد لهوية نمطية لها في الأدب وعلا صوتها في الشعر محتفيا بذاتها مطيحا بكل الحجب والمعيقات السيكولوجية والثقافية ..فجاءت منجزاتها الشعرية في هذه الأمسية مكتوبة بالحسّ المرهف …
وحضرت قضايا الأوطان العربية بقوّة في بعض القصائد فكانت صدى للوجع لآلامنا ..لجراحنا…لآمالنا… محققة لمقاصدها معبرة عن رفضها للقمع والإستبداد …فكانت ملاحم صراع تتداخل فيها أوزار وهموم وانشغال…اتسعت لتشمل المستجدات الجائرة للعولمة ومدى تأثيرها المدمر على الأوطان….قصائد مشوحة بالإباء والشهامة تحمل مشروع حلم لشعوب تتوق للحرية والإنعتاق من القهر والإضطهاد وكلّ مظاهر التبعية …
و يجدر بالذكر أن بعض القصائد لم تخلو من وشائج دينية صوفية راقيه في علاقة مع شهر رمضان وطقوسه واجوائه توفر لسامعها لملمة ما تشظى في النفس مانحة اياه حالة من الصفاء الذهني وعمق الإيمان وسط هذا الخذلان المريع الذي نعيشه…
كما حضرت في هذه الأمسية القصة القصيرة و المقال كجنس أدبي صار الأكثر رواجا في عصر السرعة والنّشر الإلكتروني الذي يطير بالنّص الى مختلف أنحاء العالم في وقت وجيز وهو انفتاح يثمن لمؤسس ومدير ملتقى قنادل الأدب والفكر.د.جمال مرسي والذي أضاء تقديمه الجميل مسار المتابعين بأسلوبه البديع و ترحيبه المميز، نعم كان لافتا انفتاحه على كلّ أجناس الإبداع الكتابي بما يتيح ويوسّع دائرة المشاركة لكل المبدعين بلا استثناء..
وكم كان جميلا ان تتحول بعض القصائد المشاركة في الأمسية إلى فديوهات يعكسها منظر جميل وموسيقا عذبة وحروف تتساقط متفرقة كحبات المطر لتجتمع في بحيرة من المعاني والصور من خلال رؤية الشاعر الراقي سيد منير عطية مؤسس عزف الاقلام العربية
او نجدها تنثال بعذوبة تسحر الالباب من خلال إذاعة سقبفة المواسم التي ما فتئت تقدم للساحة الادبية كل جديد وجميل بفضل مؤسسها القدير عبد الرحمن الريماوي
وكان أيضا للفنان الفلسطيني العربي نياز المشني حضور لافت بلوحة من لوحاته …لوحة حركت مشاعرنا جميعا برمزيتها التعبيرية ، لوحة قابلة للقراءة والتتأويل يتفاعل فيها الواقع مع المنتظر والوعي مع اللاوعي، تكتنز في خطوطها ورسوماتها عبقرية وابداع ويحمّلها أبعاد دلالية عميقة ترسم الحلم الفلسطيني بعودة الوطن المسلوب ..وقد عبرت عنها الشاعرة سفانة بنت ابن الشاطئ بهذه الكلمات :
“هانحن نبدأ بمن كانت القهوة مشروبه الصباحي وطقس من طقوسه اليومي ، ولكننا ومع رمضان الكريم سنبدأه من خلال التأمل والاسترسال و الهرولة خلف ملامح لوحة تشكلت من عبق القهوة تشدنا للأرض التي ما فتئت تسكننا وإلى الذكريات التي ما لبثت تغادرنا حتى تعود إلينا من أوسع الأبواب ، حتى مع العزلة والوحدة هي تعود إلينا مع الطفولة بثوب الأمل الأنيق لتخبرنا أن المستقبل سيكون مزهرا رغم الجفاف والقحط ، رغم خلاء الأرض ظاهريا من الحيوية إلا أن تلك الجذور المتشبثة في عمق الأرض والغصون المنتشية والمنطلقة باتجاه السماء تهمس لنا بأن من غادر سيعود يوما، و أنّ من رحل بعيدا أرضه لن تنساه حتى لو أنسته الغربة إياها أو فنا فيها بعيدا عنها ، هذا ما همست لي هذه اللوحة الساحرة و ريشتك الباذخة و التي عودتنا على البهاء دوما فناننا القدير نياز المشني”
أمسية شعرية الكترونية خطفت كلّ الأضواء …تألّق فيها الشّعر نابضا متوهجا بكيمياء اللغة الباذخة وهمى متدفقا حاضنا لمشاعرنا ورؤانا وأحاسيسنا ، تمازج فيه الخاص مع العام والمأثور مع الحديث فجاء مشوبا بأحزاننا تارة وأفراحنا أخرى ..أمسية شعرية ناجحةبكل المقاييس برمجة وادارة ومحتوى وتقديم ، أرست بنا على تخوم راسمة أواصر التواصل والتلاقي …
وليبق الشّعر أداة للمقاومة نكسر به حدود الضيق لنبلغ النور الذي لا نجده على الأرض..
Read more
Like this:
Like Loading...
Related