وقفة نقدية على نص يغفو على صفحتي ليلاً للشاعرة سعيدة إبقين / احمد دحبور

يغفو على صفحتي ليلاً ..
يشككُّ بضوء القمر …..
يجيد فن لعثمتي ..
تسقط به أصابعي ثلجاً كلما حضر ..
دوار الشمس ..
نزيف صمتٍ على زاوية شفتي ..
يكسر بين يديّ وجوه لغتي ..
يرمي لي مفاتيح عتب ..
ألملم صيفه تحت أجنحة السهر ..
على جبين غيمةٍ
أرسمك حلماً بألوانٍ
عجنها تمردُ المطرِ
على صيفِ أمس
ياطيفاً بملامحٍ مسافرةٍ
بين أيلول ونيسان
مغرٍ هوَ انتظارك
مع غضب الشتاء ومواسم البكاء
أنتظرك رجلاً بحجم وطنٍ
بنرجسية منفى
أنتظرك أناملاً تغزلني وشاحاً
يشتعل بحمرة الرمان
أيها الغافي في حضن قصيدتي
حلماً من نارٍ ، من نايٍ
من حنينٍ وكلمات
مهاجرةٌ أنا إليك مع دوالي الصيف
مع نسمات المساء
مع كلِّ ليلةٍ تغازل قمرها
على غفلةٍ من النجمات
مهاجرةٌ أنا إليكَ
يمامةً ضاقت بجناحيها مدن السماء
زنبقةٌ أنا
أرنو إليك ربيعاً
يهديني العمرَ أسفاراً
إلى أفقٍ ترنو إليه الشمس

يقول رولان بارت ” إن الشعر ليس سوى معادلة لزخرفة ممتعة وبالتالي إيحائية” اذا تتبعنا قصيدة شاعرتنا المغربية الأصيلة سعيدة إفقيرن نجدها نزيف صمت على زاوية الشفاه تلملم زمن الذات المتعدد المسافات وفق الحالة الشعورية للشاعرة فتراه ما بين سهر وليل وليلة وصيف واشهر (ايلول ونيسان) نهاية الربيع وبداية الصيف الى ان ينتهي بعتبة الخريف ومن ثم يتنقل بين الفصول وغصون الشتاء ومواسم البكاء .. نحن هنا ازاء انثى الفصول وهي في حركة دائمة ودائبة لا تهدأ كسحابة ضاقت بجناحيها منتهى السماء ترسم الحبيب حلما بالوان قزح عجنها تمرد المطر ..على قارعة الانتظار ..تنتظره رجلاً ..بحجم وطن..وبنرجسية منفى ..واناملا تغزلها وشاحا..وتتكرر ادوات النداء ..(يا طيف بملامح مسافرة)
(أيها الغافي في حضن قصيدتي ..حلما من نار وناي) وهنا دلالة على الاحتراق والشجن والقلق ونقل مشاعرها المصيرية الى المتلقي وعبر استخدام فعل المضارع الدال على الزمن الحاضر او المستقبل الدال على التجدد والاستمرار والحركة والانفعال مثال على ذلك الافعال ( يغفو، يشكك، يجيد، تسقط،يكسر، ألملم، أرسمك، انتظرك،يشتعل،يهديني) وعبر تنويع المشاهد البصرية والسمعية وعرض الصور الشعرية الايحائية وبالوانها واشكالها وحركاتها وتسارع احداثها وانفعالاتها في النص وتكثيف التجربة الانسانية للذات الشاعرة والتركيز على تلك الحالة التي تعبر عن مشاعر واحاسيس الرواي اتجاه المروي عنه وتستمر في الحركة والهجرة اليه عبر الفصول والليالي على غفلة من النجمات ترنو اليه ربيعا يهديها العمر اسفارا الى افق مفتوح ترنو اليه الشمس فلعبة الزمنكانية عند الشاعرة تتعدد وتتنوع على ايقاع الذاكرة وتعاظم الشعور بالحب المفقود او البعيد او النائم على صفحاتها ليلا او في حضن قصائدها وتكرار حالة الغفو في مطلع القصيدة الى ما قبل نهايتها يدل على حالة الترنم النغمي وتوطيد الجو العام للنص والتوكيد على فكرة معينة تريد الشاعرة تسليط الضوء عليها داخل النص..نحن بصدد شاعرة متمردة وهي تلقي باحلامها وانتظارها وسفرها وهجرتها ونزيف صمتها وامالها وطموحاتها وانفعالاتها عبر شكل شعري يحمل عالمها وعجينة قصيدتها والوان رسومات احلامها وهي ترنو لرجل هو الوطن والوطن لا يخون وهو عنوان الشرف والعطاء وتاج على جبهاتنا نذود في الدفاع عنه فهو هويتنا ..فشاعرتنا تبتكر في هذا النص الشعري نغمات جديدة تعبر فيها عن حالات جديدة وكأن ما تقوله هذه الأطلسية المغاربية خارج من القلب او من ثقوب ناي واضحة مشاعرها كشمس وكنار على علم تبوح بمكنوناتها بكل شفافية مفعمة بالعذوبة والرقة ومن خلال العديد من الإشارات والدلالات والرموز والابعاد والرؤى التصويرية الخلاقة لخلجاتها النفسية وشحناتها الانفعالية وبناءها الفني المدهش واستنطاقها لحدسها وتجاوزها ما هو مسطح الى رؤى عميقة ومغايرة عما هو مألوف اي ان المعنى عند سعديتنا يظل مخاتلا ومراوغا ويدفع بالقصيدة الى حالة التوتر والقصيدة لا تكتمل عندها الا في حالة تماس مع الذات المبدعة والحالمة الى أفق الشمس منكبة على توليد العبارة في رحم القلق والانتظار ونحو اقتراف فعل المعنى هذا المعنى الذي يكشف عن انكسارا وتشظيا خاصة علاقته بالذات الشاعرة والفصول والازمنة والامكنة وعبر متواليات رؤيوية وعبر التأملات الحدسية والانتقال من عالم واقعي الى عالم رؤيوي حالم ينسج الاحلام والإستيهامات.
نحن ازاء تجربة شعرية تعبر عن هواجس المتخيل والأفق المغاير كرهان تعبيري يندغم مع انفعالات القصيدة، بمعنى ان النص ينسج علاقات مع المعنى الشعري على شكل اشارات وتاويلات ورموز وصور ايحائية وتبشيرات حالمة ودلالية تستدعي الحد الاقصى من استنفار المشاعر ، ونحن ايضا ازاء لغة جمالية ممتعة في تعبيرها وافقها الشعري والشعوري المغاير والمختلف معتمدة على ثيمة الرؤيا كفعل استشرافي.
طوبى لهذا الصوت الشعري المغاربي المبدع وهو يمتطي صهوة المجاز والصور وفعل الاندهاش

احمد دحبور

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

النقد المتطفل والمشهد النقدي في الأردن – د. عبدالرحيم مراشدة

النقد المتطفل والمشهد النقدي في الأردن إن الراصد للساحة النقدية والإبداعية في الأردن، وبعيدا عن النقد المجامل ، والنقد السلعي، قد تصدمه كثير من معطيات سلبية، راحت تنسل خلسة وبروية، إلى المشهد النقدي السائد، ومن ذلك:

%d bloggers like this: