عبدالعزبز جويدة

ودعتَ كلَّ الأصدقاءْ – عبدالعزيز جويدة

ودعتَ كلَّ الأصدقاءْ - عبدالعزيز جويدة

ودعتَ كلَّ الأصدقاءْ

العابرونَ لأجلِنا من ضِفةِ الموتِ البعيدةِ
في المساءِ يُلوحون
ماتَ الكلامْ
تلكَ التصاويرُ التي في الأفقِ
تبدو باهتةْ
كنا نحدِّثُها ونضحكُ
ثم نمضي دونَ وعيٍ في الزحامْ
من ماتَ منا أولاً
لا ضيرَ لو ماتَ الصغيرُ أو الكبير
ماتَ المساءُ على مشارفِ بيتِنا
ماتَ الحمامْ
لا تنتظرْ أحدًا يجيءُ إلى هنا
كل الذينَ طريقُهم هذا الطريقُ
استُشهدوا
في لحظةِ القصفِ المؤجَّجِ
بالحيارى والسكارى والنيامْ
من ماتَ ماتْ
والموتُ إحساسٌ جميلٌ رائعٌ
أوليسَ دومًا موتُنا
مسكَ الختامْ؟
هذي جداولُ إرثِنا
وعليكَ تقسيمُ الغنائمِ
قبلَ موتِك
لا صوتَ يعلو الآنَ حقًا
فوقَ صوتِك
أو للذكَر
في القهرِ دومًا مثلُ حظِّ الأنثيين
أبشِرْ وأبشرْ يا فتى
من طولِ قهرِكَ
يا أيها المغدورُ أبكانا الغناءْ
يا طولَ صبرِ الراحلين
ياطولَ صبرِكْ
تبًا لمن سرقوا البدايةَ والنهاية
تبًا لمن منحوا الشِّتا
حقَّ اللجوءِ وحقَّ تقريرِ المصيرْ
ما حيلةُ الأعمى ليعبرَ
ساحةَ الموتِ المعتَّقِ في دمي
إن كانَ يسحبُهُ ضرير؟
قطعَ الشتاءُ حديثَنا
فتبسمتْ شفةُ المُرابي للشياهِ وللبعيرْ
“يعقوبُ” يجلسُ باكيًا
من يشتري تاريخَ “يوسفَ”
ذلكَ الحُبُّ الكبيرْ
قالوا ببعضِ دراهمٍ
قالَ المرابي ضاحكًا
وأنا اشتريت
قالوا بكم؟
قالَ
بصاعٍ من شعيرْ
***
قد ماتَ أكثرُنا وكنا
كلما قد غابَ منا واحدٌ
قلنا قضاءُ اللهِ جاءْ
خلت الشوارعُ من زحامٍ كانَ يشغلُها
وحطَّتْ خيمةُ الحزنِ الكئيبةُ في المساءْ
كلٌّ يُنادي خِلَّهُ
لكنَّ خلَّكَ قد رحلْ
ودَّعتَ نفسَكَ باكيًا
في لحظةٍ ودعتَ كلَّ الأصدقاءْ
لم يبقَ غيرُ طُيوفِنا
قلتُ المراثي كلُّها وهمٌ
وقبرُكَ كلما في الأرضِ
تستدعيهِ جاءْ
فلمن نُسلِّمُ نفسَنا والأرضُ فارغةٌ
وليسَ هناكَ إلا صوتُ تسبيحِ الهواءْ
الأمهاتُ كذبْنَ في وجهِ الصغارِ
وقلنَ إن الموتَ فخٌّ كانَ منصوبًا لطفلٍ
من شقاوتِهِ يخالفُ ما يقولُ الأنبياءْ
الخوفُ إحساسٌ فظيعٌ
حينَ تأمرُنا المخاوفُ
أن نُصلي أو نسلِّمَ أو نُجاهرَ بالدعاءْ
نِصفُ الحقيقةِ غائبٌ
وهناكَ نصفٌ صارَ مسلوبَ الإرادة
خَلَت المقاهي من وجوهِ الحاضرينَ
وهرولَتْ دورُ العبادةْ
نزلَ البلاءُ فقالَ هذا المبتَلى
أينَ أنامُ ؟ ولم يجدْ شيئًا
فنامَ على الجراحِ وقالَ :
هبْ لي من جراحاتي وسادةْ
أنا جالسٌ وحدي أُحدِّثُ نصفَ إنسانٍ يموتُ
وبينَنا فنجانُ قهوتِنا وطعمُ البنِّ سادةْ
كلُّ الوجوهِ بليدةٌ جدًا
فمن منحَ الوجوهَ الكالحة
صكَّ البلادةْ
ماتَ الطبيبُ ولم يعُدْ أحدٌ يَطيبُ
قد انتهى عصرُ المماتِ
قد انتهى عصرُ الولادةْ
قالوا لأن الموتَ يفقدُ هيبتَه
إن صارَ بينَ الناسِ عادةْ
#عبدالعزيز_جويدة

About Abdulrahman AlRimawi

Check Also

يا نخلةً في مروج الريف تعرفني – هاجر عمر

يا نخلةً في مروج الريف تعرفني قولي لهم إنني أنأى عن المدنِ ففي شوارعها زيفٌ يلوذ به خوفٌ،وفي بحرها موجٌ من الفتنِ

%d bloggers like this: