ترفرف العصافير بنزق، تهبط وتصعد، وتبدو كأنها تتوقف في الفراغ، وتحدد نظرها في حبات القمح مستريبة، ثم يهوي واحد وينقر حبة ويفّر بلمح البصر. ولكن..ها هو ذا واحد قد أطبق فخ على جزء من جسده وأمسكه

لا أحب اصطياد العصافير / رشاد أبوشاور

بقلم : رشاد ابوشاور

الأرض التي تقع بين جدول الماء والحافة المرتفعة المطلة على الوادي الجاف الفاصل بين مخيمي عين السلطان والنويعمة، والممتدة شرقا حتى البيّارة التي تحاذي طرف قصر هشام من جهة الغرب، تمّ بذرها بالقمح، فظهرت العصافير فجأة بكثافة في الفضاء، ورفرفت بأجنحتها بحذر فوق الأرض المحروثة المبذورة.
جلس وحده على حافة الجدول مراقبا الأولاد الذين انهمكوا في نصب فخاخهم، وابتعدوا عنها بعد أن رشّوا حبات قمح فوق التراب الناعم الذي يخفي أسلاكها، تلك الفخاخ التي صنعوها من الأسلاك التي تحيط بقصر هشام بن عبد الملك لحمايته من الحيوانات، وممّن يمكن أن يعبثوا بممتلكات القصر.
ترفرف العصافير بنزق، تهبط وتصعد، وتبدو كأنها تتوقف في الفراغ، وتحدد نظرها في حبات القمح مستريبة، ثم يهوي واحد وينقر حبة ويفّر بلمح البصر. ولكن..ها هو ذا واحد قد أطبق فخ على جزء من جسده وأمسكه،، ولم يفلته رغم رفرفته، فاندفع ولد قافزا وأمسك به.
-لا تصرخوا، ستهرب العصافير، اسكتوا…
هكذا تصايحوا منبهين، وعيونهم تراقب زميلهم الذي بدا فرحا بصيده.
دفن الولد فخه من جديد، واتجه بعد أن ربط قائمتي العصفور، وجلس على حافة الجدول غير بعيد عنه. شعر بالغيظ من الولد الممسك بالعصفور. رأس العصفور ينبثق من راحة الولد المطوية عليه، وهو يفتح منقاره ويدوّر عينيه ورأسه بقلق.
سأل الولد الذي جلس بقربه:
-ماذا ستسفيد، ها؟
-سآكله..أو أضعه في قفص أصنعه من أسلاك قصر هشام.
-لن يشبعك…
-سأصطاد غيره.أنت ليس معك فخ، لماذا؟
-أنا لا أصطاد العصافير.
-أنا أصنع لك فخا من أسلاك قصر هشام بقرش ونصف، شو قلت؟
-لأ…
انقض عصفور قرقز والتقط شيئا وطار وثارت زوبعة غبار صغيرة فوق الفخ، فشعر بسرور لأن القرقز التقط حبة وطار قبل أن يطبق الفخ عليه.
-نفد بريشه…
ارتفع صوت ولد في الجهة المقابلة بأسف، وراء الحقل، في الجهة الجنوبية المشرفة على حقل موز يمتد من الحافة المائلة حتى طرف الجسر الذي يعبره الإسفلت الذي يصل إلى أريحا عن طريق مخيم عين السلطان، أو مباشرة في طريق مختصر.
وقف وتأمل الفضاء البعيد فرآه يتداخل بطرف البحر الميّت، وينسدل على سفوح جبال القدس التي تبدو مغطاة بضباب شفيف.
انتبه على صيحة عالية فرحة:
-يسعد الله، فخّي..فخي صاد!
انقبضت نفسه، وود لو يسبق الولد ويفلت الفخ عن بدن العصفور.
ساومه الولد القاعد قربه:
-بقرش واحد أصنع لك فخا، ها؟
-لأ…
يد الولد تضغط على رأس العصفور. أغلق العصفور منقاره، وصغرت عيناه.
-معي قرش، خذه واعطني العصفور…
قال الولد متحمسا وهو يمد راحته اليمنى ويفتحها:
-هااات!
أخرج القرش من جيب بنطلونه القصير وهو ينهض، ومد يده به، وفتح راحته اليمنى ليلتقط العصفور.
-دير بالك، يمكن يطير، فانا لم أنتف ريشه…
ثم وهو يطوي رحته على القرش بحرص:
-أنا أعرفك. أنت أبوك محبوس..صح..واسمك..رشا…
أدار ظهره، ولم يسمع باقي كلام الولد. أرخى قبضته حول العصفور،وخاطبه:
-هل تستطيع الطيران لو أفلتّك؟ خذ حذرك من الوقوع في الفخاخ مرّة اخرى. غدا عندما أذهب لزيارة أبي في الحبس، مع امرأة عمي، سأخبره بأنني أطلقت عصفورا في الفضاء..وفرحت به وهو يحلّق عاليا..آآآه يا أبي..آآآه.

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

 زفة عريس – اكرام اسطى

زفة عريس بيت حليمه الليله ما انطفت انواره, مهو بيت عريس وبيت العريس بيبقى مثل المناره بوسط البلد , وكل الحبايب بتلفي تاتهني وتبارك وبالفرحه تشارك واليوم الحبايب بدهم يزفوا العزيز ابن

%d bloggers like this: