عن المعلِّم في عيدِه – أمل المشايخ
“فيمَ تفكّرونَ الآنَ قولوا بصراحةٍ ” هكذا سألَ الكاتبُ الكبيرُ قرّاءه. قلتُ يومها: اليومَ هو اليومُ العالميُّ للمعلِّم، أحاولُ أنْ أكتبَ شيئًا للمعلّمين بهذه المناسبة. المعنى الذي يحضرُ بقوّةٍ هنا ليسَ تهنئتَهم، وإنّما تجربةُ التَّربيةِ والتَّعليمِ في العالمِ العربيِّ التي كلَّما أعادوا بناءَها؛ احتاجتْ إلى إعادةِ بناءٍ…
يومُ المعلِّمِ العالميُّ يُحتفلُ به سنويًا في أوقاتٍ مختلفةٍ من العامِ، فتارةً هو الخامسُ من أكتوبر، وتارةً هو الثَّالثُ من مارس/ آذار، وتارة هو الثّاني من مايو/ أيار … يأتي هذا اليومُ للإشادةِ بدورِ منظَّماتِ المعلِّمين حولَ العالمِ، ويهدفُ إلى تعبئةِ الدَّعمِ وللتَّأكُّدِ من أنَّ احتياجاتِ الأجيالِ القادمةِ سيوفِّرها المعلِّمون بكفاءة. أكثرُ منْ 100 بلدٍ يحتفلُ بيومِ المعلِّمِ العالميِّ، ويعودُ الفضلُ في الانتشارِ السَّريعِ والوعيِ العالميِّ بهذا اليومِ إلى منظَّمةِ إديوكشن إنترناشونال.” هذا ما قالتْه (ويكيبيديا) عنْ يومِ المعلمِ، ولا أدري لماذا لا يحضرُني معنى الاحتفالِ عندَ الحديثِ عن المعلَّمِ ودورِه، وإنِّما يحضرُني الحديثُ عن العمليَّةِ التَّعليميَّةِ برمَّتِها التي تشابكت أركانُها فغدتْ مشكلةً عصيَّةً على الحلِّ في مقالٍ أو حتّى مؤتمرٍ.
لماذا التَّذكيرُ بالمعلِّمِ عالميًا؟ أؤمنُ دائمًا بأنَّ الطّالبَ هو محورُ العمليَّةِ التَّربويَّةِ، ولكنْ يبقى ذاكَ شعارًا فارغًا إنْ لمْ يكن التَّعليمُ على غيرِ الحالِ الذي نراه اليومَ، ولا يكونُ كذلك إلا إذا كانَ المعلِّمون وأحوالهم بخيرٍ وعافيةٍ وكرامةٍ، وحين نتحدَّثُ عنْ مهاراتِ التَّفكيرِ واستراتيجيّاتِ التَّعليمِ فليسَ ثمَّةَ إلا المعلَّمُ المؤهَّلُ ليقومَ بهذا الدَّورِ، وأنّى له إنْ لمْ يكنْ قدْ أهِّلَ التَّأهيلَ اللازمَ، وأنّى له إنْ كانَ يشكو الدَّيْنَ، وليسَ آمنًا على لقمةِ عيالِه.
لماذا التَّذكيرُ بالمعلِّمِ؟ لأنَّ العمليَّةَ التَّربويَّةَ فقدتْ هيبتَها، وليسَ إلا الانتصارُ للمعلِّمِ وتحسينُ ظروفِه كفيلًا بإعادةِ هذه الهيبةِ، وحينَ ننتصرُ للمعلِّمِ فنحنُ ننتصرُ لمجتمعٍ يشكِّلُ الأطفالُ على مقاعدِ الدِّراسةِ أكثرَ منْ ثلثِه، أعني أنَّنا ننتصرُ للمستقبلِ، وإذْ ذاك يلزمُنا قدرٌ غيرُ قليلٍ من العملِ المشتركِ بين المعلِّمِ والطّالبِ والإدارةِ والبيتِ وجهاتِ صنعِ القرارِ؛ ليعودَ للعمليَّةِ ألقُها الذي غابَ، كلُّ ذلكَ لنخلقَ جيلًا ملتزمًا بدينِه التزامًا واعيًا، فخورًا بلغتِه، قابلًا للآخرِ قبولًا يمكِّنُه منْ مواجهةِ عصرٍ يسيرُ مع العلمِ بسرعةٍ تحاكي سرعةَ الصَّوتِ وربّما الضَّوءِ.
ولا يهمُّنا بعدَ ذلكَ إنْ كانَ الاحتفالُ سيقامُ في باريسَ او لندنَ أو سواهما، ولكنْ ثمَّةَ لفتةٌ كريمةٌ لا تتمثَّلُ في الدَّعوةِ إلى جعلِ الاحتفالِ دوليًا، بلْ في أنَّه سيتمُّ دعوةُ المتفوِّقين من الخرّيجين إلى مهنةِ التَّعليمِ، كما يهمُّنا أنْ يكونَ هذا اليومُ بمثابةِ مراجعةٍ لما تمَّ عبرَ عامٍ منْ تطويرٍ للعمليَّةِ التَّربويَّةِ لصالحِ المعلِّمِ والطَّالبِ في آنٍ معًا.
لا أكتبُ بكائيةً، ولكنَّ التَّذكيرَ بالمعلِّمِ هنا هو تذكيرٌ بأمَّةٍ كانتْ خيرَ أمَّةٍ أخرجتْ للنّاس، وآملُ أنْ تعودَ كما كانت … ودائمًا لا أملُّ التَّرديدَ: إنَّ للحديثِ في الشَّأنِ التَّربويِّ بقيَّة.
عن المعلِّم في عيدِه – أمل المشايخ