سلوى

عندما يتكلم البارود – سلوى حماد

عندما يتكلم البارود – سلوى حماد

في وطني تأتي الشمس متشحة بغلالة من حزن ، ويغوص البحر في طقوس الوجع حتى الغرق ، ويمضي الوقت غامضاً يحمل نكهة الموت ، يتسلل الألم المحمل بالشظايا من بين الأشياء ويسكن كل الأماكن والأشخاص، لا يعترف بعمر ولا يعترف بوقت.

الطفل في وطني برعم غض طري يتحسس طريقه للحياة ، يتنشق هواء الصبح الملوث بالبارود ويشاهد الألعاب النارية ليلاً كباقي اطفال الدنيا مع بعض الفوارق، فالألعاب النارية عند طفل يعيش في فلسطين فسفورية ولا تكتفي برسم مشاهد في السماء فقط ، بل تكمل المشهد على جسده الطري والنتاج لوحة مخضبة بالدم مبتورة المعاني بعد ان غابت أطراف الحقيقة في نزيف المشهد.

وفي وطني يندثر الوقت في زمن قياسي، وتنتحر الأحلام في عيون الأطفال البريئة عندما تسكن الشظايا الغادرة اجسامها الغضة ويمتص مصاص الدماء كل ما يجري في الشرايين مخلفاً بسمة تأبى ان تموت على الشفاه.

في وطني يتربص شبح اليتم براءة الأطفال، ولكنهم يكبرون ويتعملقون ويجتازون مرحلة الطفولة في مسافة ما بين ثلاجة الموتى والمثوى الأخير.

في وطني تتبعثر الأمومة في الطرقات باحثة عن أشلاء فلذات الأكباد ، قناديل الروح ترتجف وتتحسس بقايا اللحم الطري المتناثر وتضمه الى مسامات الروح وتلملمه لتهبه هدية للوطن.

في وطني تلتهب العتمة في ثورة على ظلم القصف العشوائي ، ويجتر القلق هدأة الليل ، وأجساد انهكها الرعب مصطفة في انتظار زائر بعد منتصف الليل الذي يأتي بغتة ليسحق ويدمر ويرحل تاركاً أنقاض حياة.

في وطني هناك رغبة في الحياة ، هناك رغبة في البقاء، هناك إصرار على الصمود، تراها في عيون طفلة مبتورة الأطراف وتسمعها على لسان أم ثكلى حصد الحقد الأعمى كل افراد عائلتها أو في دمعة شامخة معلقة على أهداب رجل وتأبى الإنحدار.

في وطني يتلاحم البشر في لوحة تتوحد فيها كل الرغبات وتذوب فيها كل الخلافات ، لوحة فريدة تجسد وحدة المصير وتثبت في ذاكرة الألوان.
في وطني يسكت الكلام ويصرخ الصمت عندما يتكلم البارود على مرأى ومسمع من صناع القرار الذين يعجزون حتى عن الكلام، وعندها تهاجر كل الأمال في دوامة السؤال المبتور، إلى متى ستظل الأعين مغمضة عن هذا الظلم الممنهج ؟ وإلى متى ستظل الأبواب مواربة لتمرير الخيارات الظالمة ؟!
آه يا وطني..غزة تنزف تحت الحصار والنار
عندما يتكلم البارود – سلوى حماد

About abdulrahman alrimawi_wp

Check Also

لا ليلنا ليل ولا نهارنا نهار – فاطمة شريح

تستنفزف أعصابنا ...وطاقاتنا ...وتموت بأعيننا كل بهجة أومت لنا بحضور ما ....الا أن هذا الصباح شق من فمي ابتسامة ....استغربها من حولي وقد اعتدوا وجومي وقلة كلامي

%d bloggers like this: