زهرة الريح

زهرة الريح

وسيلة أمين سامي

تسمَّر مكانه وهو يرى رسالة منها على هاتفه .
فرت شهقةُ حيرته ، جابت عراءَ المسافات ، طافت خواءَ المدى ، مقتفية نواح الريح.
كيف تصل رسالة منها وقد مضت في قوافل الشهداء ؟؟.
عادت به الذاكرة لساعات ، لٱخر مكالمة بينهما ،تبادلا فيها عذبَ الكلام ومُره . انفجار عنيف ٱثم قطع حديثهما واختفى صوتها ، ثم قطعت كل وسائل التواصل .
حاول بشتى الطرق معاودة الاتصال لكن كل محاولاته باءت بالفشل . انخلع قلبه خوفا ،أيقن أنها رحلت بلا عودة .
وهاهي الأن في هذا المساء الحالك وأمام هذا القلب المكسور تصله رسالة منها ..رد عليها :
ـ أحقا أنتِ فدوى؟؟
ـ نعم زياد أنا فدوى أنا في غاية القلق منذ قطعت الاتصالات
ـ بل أنا كدت أفقد صوابي قلقا عليك ، بل وأفقد رغبتي في الحياة وفي كل شي .
ـ لا ، ماعهدتك إلا قويا ..زياد غدا مناقشة رسالتك لاتشغل بالك بسواها ..أليس هذا حلمنا ؟
ـ أنتِ بخير فدوى ؟؟
ـ نعم ثق بأني في أحسن حال ، وحدثني عن استعدادك للغد .

ـ اطمئني الٱن سأنهض من جديد .. لاتقطعي رسائلك أنت ماتبقى لي في هذه الحياة ..أنتِ أنا هناك في بلادي البعيدة .
ـ سأكون معك .. وستعود زياد ..ستعود .

ومن زمن الخيال سَرَقَ زياد طيف فدوى ورأى فيه وجوه كل أحبته تأخذ بمجامعه لسجدة شوق في غور الحنايا .
الوطن بعيد لكن (زياد) وإن غاب مازال هناك حاضرا يرسي جذور صبابته السخينة، متلاش في ُتُرابها ، رائحة الأرض تُنبت في دمه وجهة للحب والياسمين ..لم يغادرها
فالجبال لاتغادر أرضها .
ـ نجاحي سأهديه لعينيك .. عيناك لن تنطفئا فمنهما يستمد قلبي النور .
ـ دعنا نتكلم عن الفرح فغدا نجاحك المرتقب ، لم يبق سوى ساعات
ـ نعم ودعينا نصدق الحلم فنحن نحتاج أن نعيشه في سواد هذا العالم وقبحه
ونخفف به ساعات اليقظة الموجعة .
فدوى أنت حلم أحتاج أن أعيشه في يقظتي ومنامي ..أنت حلم أليس كذلك ؟ بل أنتِ وهم مُر لذيذ .
ـ أنا فدوى التي تعرفها جيدا .

تنهد بعمق وفيض من سنا عينيها يتحدر في الشغاف ، وبكل لغات الحب ضمد نزف اشتياقه .

أرخى الفجر جدائل النور وضج ملء وجنات الأفق ..رتب زياد شتات أفكاره..كان بكامل نشاطه وحيويته .
دلف قاعة الجامعة ، فرح تسلل إلى قلبه وهو يسمع البروفسور الذي يترأس لجنة مناقشة رسالته يتلو قرار منحه درجة الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف .
أمسك هاتفه كتب لها :
ـ فدوى ..هاقد نلت درجة الدكتوراه
ـ مبارك علينا ، أنا في غاية السعادة ، والان أريد أن أخبرك بشيء
أجابها :
ـ بل أنا عندي الكثير مما أود معرفته منك .

ـ زياد …

ـ دعيني أحدثك أولا :
من أنتِ ؟ مااسمك؟؟

صعقت ، توقفت عن الكتابة ، مر وقت طويل ثقيل لكليهما ..

ـ اخبريني كيف ماتت الحبيبة فدوى ؟
ـ كيف عرفت بموتها ؟
ـ يقاس الحب بصدق الاحساس ..المحب لايخطيء أبدا وقلبه يرى مالايراه الٱخرون .

ـ اعذرني زياد ..

ـ لاعليك فاليد التي تمتد للغريق تستحق كل الاجلال.. والأن اجيبيني ..أخبريني بكل شيء.

ـ أنا ليلى صديقة فدوى تعارفنا منذ حين حكت لي قصتكما ..وأنك أُبعدت مع من أُبعد وقد كنتما على وشك إتمام زفافكما ، سامحني .

ـ لاعليك ..لقد قمت بدور ستحبه فدوى كثيرا .

جاءه ردها سريعا :
ـ نعم أقسم أني نفذت وصيتها فلقد أعطتني هاتفها بعد إصابتها بشظايا قاتلة ، قرأت في نظراتها مالم تستطع قوله فنفذت وصيتها .. ثم قضت وهي رافعة سبابتها بالشهادة ،هنيئا لها ..تلك الليلة الكئيبة ودعتها وانقطعت كل سبل التواصل في المدينة .

بكيا معا بكاء مريرا.

تنهد زياد ، طافت به الذاكرة في روابي عيني فدوى وهامت هناك في مراضع عشقه فالحب لايعرف الفطام .
عاد للكتابة :
ليلى ..الروح إذا أصبحت ٱيلة للاختناق تهفو لنسمة تحييها وإن كانت على جناح زهرة الريح .

About Abdulrahman AlRimawi

Check Also

العاشق المتخفي في جلباب السرد كي لا ينكشف(قراءة في قصيدة”وهم الوفاء”)للشاعر العربي السيد عمران بقلم: الناقدة مالكة عسال

حين تصلك أشعار تضرب القلب وتهُز النفس، لنْ تتخلى عن قراءتها، والاستمتاع بلذة معانيها، بل …

تنويه تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

%d bloggers like this: